مثلما تستطيع تدريب جسمك ليزداد قوة ولياقة، فإنك تستطيع أيضا أن تدرب دماغك لحفظ وصيانة قدراته العقلية، وتنميتها وذلك بالتحريض الانتقائي.
    الدماغ لا يفقد قدراته حتى في سن الثمانين
    الدماغ لا يفقد قدراته حتى في سن الثمانين

يعتبر الدماغ من حيث تصميمه أعظم من أية آلة أخرى عرفها الإنسان على وجه الأرض، وهو أرقى بكثير من سائر أدمغة المخلوقات الأخرى. إذ يتمتع الإنسان بالمقدرة على جمع وتخزين كمية لا حصر لها من المعلومات التي ترده من داخل الجسم وخارجه، ومن ثم التعامل معها بصورة فورية، وبطرق جديدة وسبل مبتكرة لم يسبق له أن سلكها من قبل أحيانا. إن الدماغ يحاول باستمرار أن يفهم نفسه.
نحن لا نستغل إلا جزء يسيرا فقط من طاقة الدماغ يتراوح بين 0,01% و10  % من كامل الطاقة الكامنة فيه. لقد حدثت ثورة كبيرة في طرق تفسير العلم للعقل والإدراك. إذ كان يعتقد، وحتى عهد قريب، أنه لا بد للدماغ البشري العادي أن يؤول للضعف والعجز في أدائه الوظيفي مع مرور الزمن، كما كان يعتقد أنه لا يمكننا عمل الكثير لتفادي ذاك الضعف. غير أن حقائق جديدة ظهرت في هذا المجال على يد الكثيرين من الخبراء في تخصصات علمية مختلفة، كان من بينهم اخصائيون في علم الأعصاب وعلم الشيخوخة تمكنوا من الاستماع إلى خلية واحدة وهي "تتكلم". كما كشفت الدراسات التي أجريت، على الآلاف من الأشخاص العينات التشريحية، بأن وهن الدماغ ليس أمرا حتميا بالضرورة. ودلت تلك الدراسات على أن الاختلاف بين أدمغة الشباب والمسنين، إذا ما كانوا جميعا أصحاء، ما هو إلا اختلاف بسيط جدا من حيث القدرة الوظيفية.  

نتائج الفحص بجهاز PET الراسمة الطبقية لانطلاق البوز يترون لأدمغة أصحابها بين 20 و80 من عمرهم.

استخدم الدكتور رانجار دورا، الذي كان يعمل سابقا في منظمة الصحة العالمية، وزملاؤه في المنظمة، أحد الأساليب الحديثة جدا وهو الفحص بجهاز PET أي الراسمة الطبقية لانطلاق البوزيترون، وذلك لدراسة الاختلافات القائمة بين عمليات الأيض (الاستقلاب) التي تحدث في أدمغة الشباب والمسنين. ونشير إلى أن الدماغ يستخدم الجليكوز (نوع من السكر) كوقود من أجل أداء وظائفه، في هذه التجربة حقن المتطوعون، الذين تراوحت أعمارهم بين العشرين والثمانين عاما بمحلول جليكوز المشع، ثم سدت آذانهم وغطيت أعينهم وطلب منهم مجرد الاسترخاء وعدم النوم، وبعد 45 دقيقة، بعد أن تم امتصاص المادة المشعة، وضع المتطوعون رؤوسهم على حامل مثبت داخل أسطوانة معدنية.
ثم أعطي المتطوعون سلسلة من التصاميم الهندسية لنسخها كما يشاؤون، بالإضافة إلى بعض الأعمال العادية الأخرى، وبعد أن انتهوا من انجاز ما عهد إليهم من مهام، ورؤوسهم داخل الأسطوانة المعدنية، راقب الأطباء، المكان المكان الذي انتقل إليه الجليكوز المشع، وحددوا بشكل دقيق المنطقة التي استخدمت من الدماغ لإنجاز العمل أو التفكير.
ويقول الطبيب دوارا: "لم يكن هناك اختلاف كبير في عمليات الأيض بين الأدمغة المسنة والشابة عندما كانت في كلتا الحالتين سليمة لا تعاني من أي عجز أو مرض، بل كان لدى بعض المسنين ممن بلغوا الثمانين من عمرهم نفس خصائص الأيض الدماغي الموجودة عند الكثير من الشباب، بينما ظهرت لدى بعض الشباب نفس التغييرات التي تلاحظ عادة في أدمغة المسننين.

قانون الستين لملاحي الطائرات التجارية.

ظهرت هذه النقطة واضحة جلية عند طلب الكونجرس الأمريكي من منظمة الصحة الوطنية ومن وزارة النقل في عام 1979 دراسة قانون الستين الذي ينص على اقالة ملاحي الطائرات التجارية الذين بلغوا تلك السن، وبعد 10 أشهر من الدراسة، استخلصت اللجنة المكلفة بدراسة ذلك القانون أن التباين في تأثير الشيخوخة ضمن نفس الفئة من الأشخاص المتماثلي الأعمال يكاد يكون مساويا تقريبا بين الفئات ذات الأعمار المختلفة.

تجارب الدكتورة دياموند تثبت إمكانية زيادة وزن الدماغ حتى في مراحل متأخرة من العمر.

 وبالفعل فقد اكتشفت الدكتورة دياموند وفريقها، من خلال التجارب التي أجريت على الفئران، أن بإمكان البيئة الغنية بالخبرات أن تزيد من وزن الدماغ، حتى في مراحل متأخرة من العمر.
وتقوم هذه العالمة حاليا بتطبيق الملاحظات التي توصلت إليها في المختبر على نفسها، فقد بدأت بتعلم الغناء لترفع من مستوى قدراتها الدماغية ومن مستوى حياتها بشكل عام.

إن وضع الدماغ أمام التحديات المستمرة للمحافظة على مستواه أمر ضروري ليس للجهاز العصبي المركزي فحسب، بل للجسم بكامله، إذا يعتبر الدماغ أهم جزء في الجهاز العصبي، فهو ربانه والقائد الموجه له، ولكي تحافظ على على جسمك وبالتالي على حياتك فلا بد من المحافظة على الجهاز العصبي في جسمك أولا، وعندما يتعرض الجسم لضغط أو جهد كبير يصعب معه توفير الدم والأكسجين لجميع أعضاء الجسم.
وأن جميع أعضاء الأخرى تضحي بنفسها عادة لصالح الدماغ، لكي يستمر في أداء مهامه، إن هيمنة الدماغ على الجسم حتى ولو كان واهنا وضعيفا، يمكن أن يكون له بالغ الأثر في تحقيق نتائج مذهلة. فمن منا شاهد العداءة جابرييلا اندرسن وهي تجاهد وهي شبه غائبة عن الوعي لتصل خط النهاية في سباق الماراتون بأولمبياد 1984م رغم استنزافها لكامل الطاقة التي يمتلكها جسمها تقريبا، ولم يتأثر ويقف مذهولا أمام معجزة الإرادة وتصميم الدماغ على تحقيق الهدف المنشود؟    
   
                                                        المصدر : discovery science    

التعاليق

أحدث أقدم