ما الشيء الذي نختبره جميعا بصفة دائمة، ولا نستطيع قياسه أو لمسه، وبالكاد نملك الكلمات اللازمة لتعريفه, ولكنه موجود؟ إنه الوعي، ذلك المعنى المجرد الذي يصعب تعريفه بمصطلحات لغوية، اسأل أي عالم نفس وسيجيبك إجابة غامضة وفضفاضة. ومن أجل الاسترسال في موضوعنا سنركز على التعاريف الأكثر شيوعا، يمكن تعريف الوعي على أنه ادراكنا لأنفسنا وللبيئة المحيطة بنا. وهذا الادراك هو الذي يسمح لنا بإدخال المعلومات عن طريق الحواس الخمس وتنظيمها. كان العالم الأمريكي ويليام جيمس يعتقد أن الوعي، عبارة عن مجرى مستمر من الحركة المتواصلة والمتنقلة، ومن هنا جاءت عبارت مجرى الوعي، ويعتقد آخرون أنه ضوء الدماغ المتجول الذي يشع على شكل حزمة متصلة من الضوء تضيء شيئا معينا ثم تنتقل لاضاءة شيء آخر.
ماذا تعرف عن الوعي؟
ماذا تعرف عن الوعي؟

حالات الوعي :

المقصود هنا, أن تجربتك مع الوعي هي انتقال دائم من التركيز على شيء إلى شيء آخر، من دون توقف. كمثال فأنت الآن تركز على قراءة كلمات هذا المقال وبانتقال بسيط ستركز على شيء آخر كشعورك بالعطش وبضرورة شرب كأس من الماء أو أن جلستك غير مريحة وتحتاج إلى تعديلها للشعور بأكبر قدر من الراحة، ويمتد أمر الوعي إلى ما وراء الانتقال اللحظي، فهو يسمح لنا أيضا بتأمل الحياة أو أن نفكر في اللانهاية. كما يمكنه مساعدتنا على التخطيط لمستقبلنا. وأن نأخذ العواقب في الاعتبار وأن نرجع بذاكرتنا للأحداث الماضية إنه الجزء الأكثر ألفة، والأكثر غموضا في حياتنا في آن واحد.
خلال حياتنا اليومية ننتقل بين العديد من حالات الوعي من بينها اليقظة، والنوم، والكثير من الحالات المتغيرة. وهذه الانتقالات يمكن أن تحدث بشكل تلقائي كالحلم، أو يتم تحفيزها فسيولوجيا كالهلوسات المصاحبة للأدوية أو المخدرات، أو سيكولوجيا عن طريق التأمل و التنويم بالإيحاء.

التصوير العصبي للدماغ أثناء عمله لتحديد ماهية الوعي:

لقرون تعلم العلماء ما استطاعوا تعلمه عن الدماغ فقط من خلال الملاحظات الطبية، ولكن بوجود تقنيات العصر الحالي فنحن في الحقيقة قادرون على رؤية بعض التراكيب والنشاطات داخل دماغ حي قيد العمل، من خلال الإشارات الكهربية والاستقلابية، والمغناطيسية التي تظهر على شاشات الحواسيب، فمجال علوم الأعصاب المعرفية ينصب على دراسة الارتباطات العصبية للدماغ وعلاقتها بنشاط الدماغ وبالعمليات العقلية، والتي تتضمن التفكير والادراك والذاكرة واللغة في حلات مختلفة من تجارب الوعي.
وهناك أكثر من طريقة لاجراء مسح للدماغ فالتصوير التركيبي يظهر تشريح الدماغ، وهو مفيد في التعرف على الأورام والإصابات التي تلحق بالدماغ. أما التصوير الوظيفي للنشاط فيتم عن طريق التصوير الكهرمغناطيسي أو الاستقلابي في الدماغ نتيجة تدفق الدم، الذي يتيح لنا ملاحظة العلاقات الموجودة بين وظائف عقلية محددة .
لكن تبقى المشكلة في تفسير نتائج التصوير العصبي، فالعلاقة بين شيئين لا تعني بالضرورة وجود علاقة سببية بينهما، وبالتالي فإن النشاط الحادث في منطقة معينة من الدماغ عندما يفكر في نوع محدد من الأفكار قد لا يعني بالضرورة أنه في كل مرة يفكر في هذه النوعية من الأفكار ستتحفز نفس المناطق من الدماغ.

طبقات الوعي:

من هنا نستشف أن الوعي يقترن بحالة نفسية وأخرى بيولوجية، وبالتالي فنحن لا نجانب الصواب إذا قلنا أن أفكارنا ومشاعرنا يمكن التعبير عنها بصور وألوان على شاشة الحاسوب. بالاضافة إلى هذا كله فنحن لا نمتلك طبقة واحدة من الوعي تشغل كل النغمات بل نمتلك طبقتين، ولكل واحدة  خصائصها ومميزاتها. وهذا النموذج الثنائي الذي يصطلح على تسميته بالوعي واللاوعي، فعقلنا الواعي المفكر يقول: انظر إنه قط ! أما عقلنا الباطن التلقائي الضمني، يعالج بشكل ثانوي كحاسوب درجات اللون وأبعاد الحيوان والمسافة الفاصلة بينك وبينه ويبحث في خبراتك السابقة عن تجربتك مع هذا الحيوان سواء كانت ألفة أو فوبيا أو تقزز. وكل هذا سيؤثر في حكمه على هذا القط. العقل الباطن يستطيع معالجة 11 مليون معلومة في الثانية، أما عقلك الواعي فيقتصر على معالجة 40 معلومة في الثانية.

الانتباه الانتقائي:

إذن كيف يمكن أن نبقى محافظين على تركيزنا وفي نفس الوقت نقوم بترشيح هذا الكم الهائل من المعلومات. يتم ذلك عن طريق الانتباه الانتقائي، وهي الطريقة التي يركز بها وعينا على محفز معين متجاهلا بذلك جميع المحفزات الأخرى، بشكل فعال. فالوعي شبيه بنقطة ضوء مركزة في مسرح ممتلئ، هناك أشياء أخرى تجري حولك يسجلها دماغك التلقائي أو اللاواعي. ولكن في تلك اللحظة التي تركز فيها بقعة الضوء تتلاشى أغلب المحفزات الأخرى. فأنت على الأغلب لا تركز على لسانك داخل فمك أو ملمس جواربك على رجليك، ولكن بمجرد قراءتك لهذه العبارات ستنتقل دائرة الوعي المضيئة للتركيز على جواربك أو لسانك، هذا شبيه بوجودك داخل قاعة للحفلات تضم مآت المدعوين وأنت تركز سمعك على متحدث واحد متجاهلا بقية الناس ومتجاهلا الخلفية الموسيقية وبمجرد سماع شخص يناديك سينتقل تركيزك إليه.

عمى عدم الانتباه: 

 

هو عدم قدرتك على رؤية شيء حتى وإن كان في مجال رؤيتك، لأننا ببساطة نركز على شيء معين، فيعمل دماغنا على تجاهل المثيرات البصرية الأخرى وكأنها غير موجودة. كفيديو الغوريلا المشهور فغالبية الناس الذين شاهدوه ركزوا على عد الكرات المقدوفة بين اللاعبين ولم ينتبهوا لمرور الغوريلا وهي ترقص بين اللاعبين. وهذا ما يستغله السحرة لخداع المتفرجين يجعلونهم يركزون على شيء واحد بعينه في الوقت الذي يقوم به الساحر بخدعته.

عمى التغير:

وهي ظاهرة نفسية نفشل معها في ملاحظة التغيير الحاصل في بيئتنا، أي التمييز بين ما كان مقابل ما هو موجود الآن. كالشخص في الفيديو الذي يظهر بملابس معينة ومع مرور اللقطات يغير ملابسه ونحن لا ننتبه بأنه قام بتغييرها، وينطبق الأمر على الخلفية والديكور، وفي بعض الأحيان لا ننتبه حتى لتغير الأشخاص. ومن هذا كله نستنثج أننا قليلوا الإدراك لما يجري حولنا حتى وإن كنا نظن أننا على علم بكل ما يجري.  

2 تعليقات

  1. مقال غاية في الروعة اتمنى لكم التوفيق و الاستمرارية

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم