فكرة وجود الله من الأسئلة الوجودية العظمى التي أرقت الناس منذ فجر التاريخ، وأسالت الكثير من الحبر، وأثارت عددا لا يحصى من الجدالات الفلسفية والعلمية والدينية. ففكرة وجود الله من عدمه لا يمكن أن ينجو منها أي عقل بشري مهما كانت عقيدته أو مستواه الفكري أو عرقه أو لغته، لأن التساؤل عن وجود الله هو في الحقيقة تساؤل عن سبب وجودنا نحن كبشر بالدرجة الأولى. لدى ارتأيت في موضوعي هذا أن أحاول أن أناقش وجود الله من عدمه مناقشة منطقية وفق قواعد المنطق الصوري الذي أسسه أرسطو.

كيف تثبت وجود الله منطقيا؟
كيف تثبت وجود الله منطقيا؟

وجود الله عند البشر مرتبط أساسا بوجود الكون، فلو أن الكون سرمدي فلا حاجة أساسا لوجود إله لأن السرمدية تجمع بين الأزلية والأبدية أي أن الكون ليس له بداية ولا نهاية. أما إن تأكد وجود الكون نتيجة مسبب ومحدث فلا مناص من تقبل فكرة وجود الله.
نهج واحد يمكننا من الإجابة عن هذا السؤال، وهي الحجة الكلامية الكوزمولوجية الكونية، والتي تستند على أثبات مقدمتين لتصبح الثالثة صحيحة من دون جدال.
1.    كل نتيجة لا بد لها من مسبب
2.    الكون له سبب
3.    إذا الكون له مسبب

الحجة الأولى لكل نتيجة لا بد لها من مسبب

الاعتقاد بأن أي شيء يمكن أن يأتي للوجود من غير سبب يشبه الاعتقاد بقدرة ساحر السيرك على اخراج أرنب من قبعته، على الأقل في هذه الحالة لدينا ساحر وقبعة.
وإن كان هنالك شيء يمكن أن يأتي لحيز الوجود من غير سبب فلماذا لا نرى ذلك يحدث كل الوقت؟ كظهور أشياء من غير مقدمات منطقية، كظهور قرد في غرفة نومك أو أموال في حافظة نقودك. التجربة اليومية والأدلة العلمية تؤكد صحة الفرضية الأولى، فأي شيء يحدث من حولنا لا بد له من سبب.

الحجة الثانية الكون له سبب

هل للكون بداية أم أنه موجود منذ الأزل؟
قال برنارد راسل" الكون كان هنالك فقط وهذا كل شيء". لكن ماذا يقول القانون الثاني للديناميكا الحرارية بهذا الشأن؟ يخبرنا هذا القانون بأن الكون يعمل ببطء من طاقة قابلة للاستخدام، وهي النقطة المهمة بالنسبة إلينا فإذا كان الكون موجود منذ الأزل فهذا يفرض امتلاك الكون طاقة لا نهائية وهذا ما لا تأكده الأبحاث التي تقول بأن الكون ينتج طاقة أقل من الماضي وهذا يعني امتلاكه مخزون محدود منها حتى وإن كان بكميات كبيرة جدا. إذن الكون له بداية محددة، بالإضافة للنتائج التي توصل إليها كل من ألكسندر ولوميتر من خلال عملهما على معادلات أينشتاين والتي اثبتت توسع الكون من نقطة واحدة اسمياها المتفردة  دون أن ننسى أعمال هابل التي برهنت على توسع الكون بل وخروجه إلى حيز الوجود من نقطة محددة في الماضي قبل 13,7 مليار سنة.
ومع كل هذا الزخم من الأدلة لم يعجب الكثير بفكرة، بداية الكون ليظهر ثلاث علماء في الأونة الأخيرة راندر أرفيند ألان غوت وألكسندر فيليكين ويقدموا للمجتمع العلمي أدلة لا يمكن دحضها تنفي أزلية الكون نفيا قاطعا وتؤكد أن الكون له بداية مطلقة.
ليختبئ المشككون من جديد وراء نظرية بديلة لأزلية الكون لعلها تحميهم من حتمية سببية الكون أسموها نظرية الأكوان المتوازية  المطروحة في “نظرية الأوتار String Theory” والتي تقول بوجود عدد لا نهائي من الأكوان المتوازية Parallel Universes  لكل منها قوانينه الخاصة، وأبعاده الزمانية والمكانية التي تميزه عن البقية مع تمتع القليل من هذه الأكوان بخاصيات ومقومات استضافة ونشوء الحياة، كما هو الحال مع كوننا المحظوظ أما البقية فهي مجرد مسوخ كونية، لا تعدو أن تكون مجرد خردة إن أمكن لها ذلك ولم تنهار على نفسها لتعود إلى العدم من جديد. لكن عمومًا أبرز الاعتراضات عليها هو عدم إمكانية اختبار صحة أو بطلان هذه النظرية علميًا وعمليًا، كذلك عدم انطباق شروط قانون شفرة أوكام عليها، وعدم قدرتها على تفسير الضبط الدقيق جدًا في الكون. لدى تبقى هذه النظرية مجرد شطحة من شطحات الخيال العلمي المسلية.
ويبقى النموذج الوحيد لتفسير الكون هو النموذج القياسي الذي يبدأ من لحظة الانفجار العظيم كما تشير إليه الخلفية الميكروية للكون التي تحدثنا عنها في موضوع سابق بعنوان صدى صوت الانفجار العظيم يتردد في أرجاء الكون حتى يومنا هذا. . من هنا نستنتج أن الكون حادث وله بداية. إذن لا بد من وجود سبب لحدوثه.

الكون له مسبب

المقدمتين اللتان وضعناهما صحيحتين المقدمة الأولى: لكل سبب لا بد له من مسبب والمقدمة الثانية: الكون له سبب.
وبما أن الكون لا يمكن أن يكون علة نفسه إذن لا بد له من مسبب ومن بين الشروط المطلوبة في هذا الموجد أن يتسامى فوق الزمان والمكان وغير محكوم بهما وبالتالي فهو سرمدي الوجود غير مادي واجب الوجود ولا حدود لقوته. وليس له مسبب بل هو منبع الأسباب وهذه الأوصاف لا تنطبق إلا على كلي القدرة وهو الله تعالى. 

التعاليق

أحدث أقدم