كيف بدأت الحياة؟ ما قصة الكائن الأول لوكا luca؟


حمض RNA
حمض RNA




سأستعرض معكم  أهم ما جاء في الحلقتين السابقتين باختصار، حتى تبقى حكايتنا مترابطة ومنسجمة، ويمكن تلخيص أهم أحداثهما في تحول المتفردة الى حساء بدئي من الكواركات،  والتي سيؤدي التحامها  لتكوين البروتونات والنوترونات، والتي بدورها ستشكل أنوية ذرات الهيدروجين والهيليوم، واللذان يمثلان معا نسبة 99.9% من مادة الكون القابلة للقياس.

 أما باقي العناصر الكيميائية فقد تكفلت النجوم بتخليقها عن طريق الاندماج النووي، فكلما تجمع المزيد من البروتونات والنوترونات في نواة الذرة، والالكترونات التي تدور في فلكها، انتجت عناصر جديدة كالكاربون والاكسجين والحديد والنحاس... وأدت انفجارات السوبر نوفا لنثرها في الفضاء على شكل سديم أو غبار كوني، والذي ستتخلق منه نجوم جديدة. 

كما رأينا أنه قبل عشرة مليارات سنة حدث اصطدام  بين مجرتين شكل في النهاية مجرة درب التبانة، بشكلها الحلزوني وحجمها الهائل الذي يضم أكثر من مئة مليار نجم. كما عرفنا في الحلقة السابقة أن شمسنا تكونت هي الأخرى من أشلاء نجم منفجر منذ 4.5 مليار سنة.

أما قصة الأرض، فبدأت مع تكون الشمس انطلاقا من المواد المتبقية من تشكل الشمس، حيث عملت الجاذبية على ضم الكتل المتجمعة وضم بعضها لبعض في عملية تراكمية دامت 20 مليون سنة.

تمثيل للأرض قبل 4 ملايير سنة
تمثيل للأرض قبل 4 ملايير سنة

ماذا حدث بعد ذلك؟   كيف بدأت الحياة ؟  ما قصة الكائن الأول لوكا luca؟ 

ظلت الارض كتلة ملتهبة أشبه بالجحيم، درجة حرارة سطحها تصل ل 1200 درجة حرارية  حيث أخذت هذه الكتلة بالدوران حول الشمس والابتعاد عنها حتى بردت وبدأت تنكمش ويتجمد سطحها، وتشكلت قشرة رقيقة غير مستقرة ومليئة بالبراكين. هذه البراكين ملأت جو الأرض الأول بالغازات السامة، حتى الآن لا وجود للهواء فقط الميثان والهيدروجين والأمونيا وثاني أكسيد الكاربون، كما أن الأشعة ما فوق البنفسجية القاتلة كانت تتسرب من الفضاء، لأن طبقة الأوزون لم تكن قد تشكلت بعد فكان من المستحيل أن تنشأ الحياة على سطح الأرض والأرجح أنها بدأت في أعماق المحيطات قرب المداخن البركانية  وهي شقوق في أعماق المحيطات توجد عادة عند منطقة التقاء الصفائح التكتونية .
كيف يمكن للحياة أن تظهر في هذه الظروف و المناخ العدائي؟ وهل يمكن ان تتخلق الحياة من مجرد عمليات كيميائية ؟

تجربة ستانلي ميلر و يوري
تجربة ستانلي ميلر و يوري



تجربة ستانلي ميلر ويوري Miller–Urey experiment

 في خمسينيات القرن الماضي قام الطالب ستانلي تحت اشراف أستاذه يوري بتجربة تطبيقية  لإعادة إنتاج اللبنات الأساسية للحياة في المختبر. حيث ملأ جهازا مغلقا من الزجاج ببضعة لترات من غاز الميثان والأمونيا والهيدروجين (لتمثيل الغلاف الجوي)، وبعض المياه (لتمثيل مياه المحيطات). ثم أطلق شرارات كهربائية داخل الغازات لمحاكاة البرق، مع ابقاء المياه تغلى. في غضون بضعة أيام، اصطبغت المياه والغازات باللون الأحمر، تكونت عن هذه التجربة أحماض أمينية مختلفة مع كربوهيدرات وحمضيات. هذه المركبات العضوية هي اللبنات الأساسية للبروتينات، والأشياء الأساسية للحياة.

في عام 2008، وجد الباحثون الجهاز الذي استخدمه ميلر في تجاربه المبكرة وقاموا بتحليل هذه المواد في وقت لاحق باستخدام تقنيات أكثر حساسية. فأظهرت النتائج المزيد من الأحماض الأمينية والمركبات الأخرى ذات الاهمية. ولكن الطريق ما زال طويلا لرؤية الصورة كاملة، فما يزال يلزمنا فهما أكثر لكيفية تكون الأرض والبيئة التي نتجت فيما بعد، والتي ساعدت على تكوينِ الأحماض الأمينية الشديدة التعقيد، والذي بدورها تقوم بتكوينِ ونقل بيانات المعلومات في الكائنات والذي يعرف ب RNA.

وكما هو معلوم فإن ADN يتكون من شريطين من سلسلة النيكليوتيدات الملتفتين على شكل لولبين. أما ARN فهو عبارة عن شريط واحد من النيكليوتيدات. كما أن ARN قادر على نسخ نفسه فجزيئة ARNm هي الوسيط بين جزيئة ADN وموقع تركيب البروتين عل مستوى السيتوبلازم.

الخلية الأولى لوكا
الخلية الأولى لوكا

الخلية الأولى لوكا luca  

يعتقد العلماء أن أول كائن حي امتلك أبسط حمض RNA  كان قبل 3.7 مليار سنة، والذي أسموه ب لوكا luca   ويعرف كذلك باسم السلف المشترك الأول لجميع الكائنات الحية إذ إن تتبع عملية التطور بعد هذا الكائن ذي الخلية الواحدة يصبح أسهل نوعا ما. أخذ الباحثون المحتوى الجيني لأكثر من ألفي بكتيريا مختلفة (البكتيريا هي إحدى صور الحياة الأكثر بساطة وبدائية)، ثم أخذوا يتتبعون بعض الجينات التي انتقلت من جيل إلى جيل بشكل عكسي، حتى توصل الباحثون إلى المحتوى الجيني المفترض لأول خلية وجدت على سطح الأرض، وبدأوا طبقا لذلك في رسم صورة هذه الخلية، لنحصل في النهاية على «لوكا». وبتتبع المحتوى الجيني المفترض له، فالباحثون قالوا إن هذه الخلية الأولية تطورت إلى نوعين مختلفين من الخلايا البسيطة في نهاية المطاف: البكتيريا و العتائق  (archaea).

أدرك العلماء أن تطور «لوكا» إلى هذين النوعين من الخلايا يساعد على تسوية مشكلة كبيرة بين العلماء. فالعلماء كانوا يعتقدون سابقا أن المجالات الثلاثة للحياة، والتي تشمل البكتيريا والعتائق فضلا عن حقيقيات النوى مثل النباتات والحيوانات، لا يبدو أن لديها نقطة واحدة من أصل. هذا الاكتشاف المهم، قد سمح كذلك للعلماء باكتشاف 355 جين، التي يبدو أنها قد نشأت في «لوكا».

ويظهر أن هذا الكائن عاش في الفتحات الموجودة في أعماق البحار، حيث تنفث البراكين الغازات في مياه البحر التي تتفاعل مع المواد المنصهرة التي تأتي من قاع المحيط. وطبقا لما ذكرته الدراسة، التي نشرت في مجلة «Nature Microbiology»، فإن «لوكا» هو كائن لاهوائي، يقوم بتثبيت غاز ثاني أكسيد الكربون، ويعتمد على مسار تمثيل غذائي خاص بالهيدروجين يسمى مسار وود ليوندال، بالإضافة لتمكنه أيضا من تثبيت غاز النيتروجين، وهو كائن محب للحرارة.




الحلقات السابقة:

 تكون المجموعة الشمسية واستعداد الأرض لاستقبال الحياة / الحلقة الثانية

المراجع المعتمدة

https://www.independent.co.uk/news/science/scientists-find-luca-a-single-cell-bacterium-like-organism-that-is-the-common-ancestor-of-all-life-a7157176.html

التعاليق

أحدث أقدم