تكون المجموعة الشمسية واستعداد الأرض لاستقبال الحياة

رواد محيط المعرفة الأفاضل، أواصل معكم حكاية الصوة الكاملة. لكن قبل أن أسترسل في ذكر تفاصيل جديدة لا بد أن ألخص مضمون الحلقة الأولى، لأن هدفي الأساسي من السلسلة هو رسم صورة مترابطة وواضحة في الأذهان. 
الحلقة الأولى بداية الكون ونشأة المادة وتكون المجرات
رأينا بالدليل العلمي والشواهد التجريبية، أن الكون بدأ منذ 13.7 مليار سنة بانفجار نقطة واحدة لا نهائية في الكثافة والحرارة والكتلة متناهية في الضآلة، تولد عنها الزمان والمكان، وتشكلت منها المادة بداية بالجسيمات ما دون الذرية، التي تحمل اسم الكواركات والتي تخلقت منها البروتونات والنوترونات، ثم تحولت هده الأخيرة الى غازات %75 هيدروجين و% 23 هيليوم والباقي غازات أثقل. وعرفنا كذلك كيف تكون الجيل الأول النجوم، وأن النجوم لا تعتبر أجراما تولد الحرارة و الضوء بل هي افران لإنتاج باقي العناصر الكيميائية التي شكلت العالم الذي نراه كالأكسجين والكاربون والحديد... كما ناقشنا نظريات تكون المجرات.
لكن ماذا نعرف عن مجرتنا درب اللبانة ؟ متى تكونت مجموعتنا الشمسية؟ وكيف؟ كيف تشكلت الأرض؟ وما المميزات التي أهلتها لاستقبال الحياة؟

مجرة درب اللبانة أو الطريق اللبني
مجرة درب اللبانة أو الطريق اللبني

تكون مجرة درب اللبانة أو الطريق اللبني

أخر دراسة أجراها باحثون من معهد الفيزياء بجزر الكناري، نشرت في دورية "Nature Astronomy" بعد تحليل المعطيات الخاصة بحوالي مليون نجم، تشكل هذه العينة من النجوم دائرة حول الشمس يبلغ نصف قطرها  6500 سنة ضوئية، باستخدام تلسكوب "غايا" لتتبع كيفية تحرك مجموعات مختلفة من النجوم بالنسبة لبعضها بعضا، ثم فحص الاختلافات في تركيبها الكيميائي،  بناء على تحليل طيفها الضوئي فتبين أن النجوم موضوع الدراسة يمكن تقسيمها لمجموعتين  الأول مجموعة "حمراء" تحتوي على تركيز عال من المعادن، والثانية مجموعة "زرقاء" لم تكن غنية بالمعادن.
وباستعمال المحاكاة الحاسوبية تأكد أن مجرتنا تولدت عن اصطدام مجرتين واحدة قزمة تضم النجوم الزرقاء فقيرة المعادن وأخرى أكبر منها بثلاثة أضعاف تضم النجوم الحمراء الثرية من حيث المعادن قامت بابتلاعها مند عشرة مليارات سنة. واستمرت عملية "ابتلاع" الثانية للأولى ملايين السنين لتتشكل في النهاية مجرة درب التبانة، التي تنتمي إليها المجموعة الشمسية، بشكلها الحلزوني وحجمها الهائل الذي يضم أكثر من مئة مليار نجم من بينها الشمس.

المجموعة الشمسية
المجموعة الشمسية

كيف تكونت المجموعة الشمسية؟

اذا كانت مجرتنا درب اللبانة قد تشكلت منذ 10 مليارات سنة اثر اصطدام مجرتين، فأن مجموعتنا الشمسية لم تكن موجودة وعلى الأرجح أن نجما كبيرا بعد أن استنفد وقوده قبل 5 مليار سنة تحول الا مستعر عظيم، وانفجر مخلفا سديما والسديم ما هو الا المواد الخفيفة التي ركبها النجم خلال حياته و العناصر الأثقل التي خلقها أثناء انفجاره،  متجمعة على شكل سحابة من الغاز تقع في منتصف حافة القرص المجري ، على بعد حوالي 25000 سنة ضوئية من المركز، مكونة أساسا من حوالي 70٪ من الهيدروجين و 28٪ من الهيليوم ، والباقي مكونات أثقل.   

هدا السديم الغازي الناتج عن انفجار النجم العملاق أخذ في التجمع تحت تأثير الجاذبية مما أدى إلى تكون كتل أكبر بكثير، وتحت تأثير الحرارة والضغط وصلت درجة حرارة قلب الشمس الى نحو 12 مليون درجة حرارية حيث بدأ تفاعل الاندماج النووي. وخلاصة القول أن شمسنا   تعتبر من الجيل الثالث من النجوم تكونت أساسا من أشلاء نجم منفجر من الجيل الثاني من النجوم منذ 4.5 مليار سنة.

الأرض في مرحلة الحجيم قبل 4 مليار سنة
الأرض في مرحلة الحجيم قبل 4 مليار سنة

كيف تكونت الأرض؟

بدأ تكون كواكب المجموعة الشمسية تزامنا مع تشكل قرص الشمس منذ 4.5 مليار سنة، بدأت المواد المتبقية من تشكل الشمس بالتجمع وارتبطت الجسيمات الصغيرة بعضها ببعض بفعل الجاذبية ومتحولة إلى جسيمات أكبر ومن ثم قامت الرياح الشمسية بجرف العناصر الخفيفة كالهيليوم والهيدروجين بعيدا، لتشكل الكواكب الغازية الخارجية المشتري زحل أورانوس و نبتون تاركةً العناصر الثقيلة والصخور لتشكل الكواكب الصخرية الداخلية كالأرض والمريخ والزهرة وعطارد.

والأرجح أن نواة الأرض الصلبة المكونة من الحديد والنيكل قد تشكلت أولا، لأن العناصر الثقيلة تتصادم وتترابط مع بعضها، ثم تغرق محتلة المركز، بينما تشكل العناصر الأقل كثافة القشرة، التقطت الجاذبية بعض العناصر الخفيفة مشكلة الغلاف الجوي البدائي.
تسبب جريان الجزء السائل من الحديد و النيكل تحت قشرة الأرض في تكوين الصفائح التكتونية، كما سبب دوران واحتكاك الجزء السائل من الحديد والنيكل بالنواة الصلبة المكونة من نفس العناصر بتوليد حقل مغناطيسي يحيط بالأرض. كما أن التصادم والاحتكاك بين الصفائح التكتونية أدى الى ارتفاع الجبال وتفجر البراكين التي بدأت بدورها في بث الغازات إلى الغلاف الجوي، وتعرف هذه المرحلة من مراحل تكون المجموعة الشمسية بمرحلة الحجيم  حيث كانت المجموعة الشمسية غير مستقرة والاصطدامات كثيرة والمذنبات والنيازك تضرب الأرض وكل الكواكب الأخرى بلا انقطاع حاملة اليها المياه والمواد المعدنية.

ما مميزات الأرض التي جعلتها قابلة لاستقبال الحياة؟

الأرض جوهرتنا الزرقاء الوحيدة في المجموعة الشمسية التي استطاعت احتضان الحياة حسب علمنا لكن لماذا الأرض وليس غيرها؟
طبقات الأرض يتوسطها اللب المعدني الصلب
طبقات الأرض يتوسطها اللب المعدني الصلب

المنطقة الخضراء

الميزة الأولى للأرض هي وجودها ضمن المنطقة الخضراء، حوالي 150 مليون كلم أي لا هي بعيدة عن الشمس فيتجمد ماؤها، ولا هي بالقريبة فيتبخر. مما سمح للماء بالتواجد بحالاته الثلاث السائلة والغازية والصلبة. كما أن دفئ الأرض واعتدال حرارتها نسبيا سمح للنباتات و الكائنات الحية أن تزدهر و تنمو.

وجود الماء وبوفرة

قلنا سابقا أن المذنبات والنيازك التي ضربت الأرض منذ فترة طويلة هي مصدر الماء، حيث امتلأ النظام الشمسي بتلك الأجسام الشاردة التي قدر الفلكيون عددها بنحو ترليون مذنب حلقت بشكل عشوائي في كل مكان محملة بالمياه المتجمدة.

بنية الكرة الأرضية وحقلها المغناطيسي

الأرض كوكب صخري متوسط الحجم جاذبيته معقولة فقشرته الصلبة تمثل دعامة تنمو عليها النباتات وتستوطنها الحيوانات، وتتمتع بلب معدني قادر على توليد مجال مغناطيسي، وهذا المجال يعمل كدرع يحمي الأرض من الرياح والانفجارات الشمسية ،‏ التي تطلق الى الفضاء بلايين الاطنان من المادة ويمكن أن نراها على شكل أضواء ملونة بالقرب من قطبي الارض المغناطيسيين في ظاهرة تعرف بالشفق القطبي.‏ كما أن هذا الحقل المغناطيسي يتبث الغلاف الغازي ويمنعه من التلاشي في الفضاء.

الغلاف الجوي

الغلاف الجوي عبارة عن خليط من الغازات ويحتوي على 78.09% من غاز النيتروجين و20.95% أكسجين الضروري لتنفس الكائنات الحية،‏ كما يمدنا ايضا بحماية اضافية.‏ فالطبقة الخارجية من الغلاف الجوي،‏ الستراتوسفير،‏ تحوي شكلا من أشكال الاكسجين يسمى الأوزون الذي يمتص حتى 99% من الاشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس.‏
وهكذا تساهم طبقة الأوزون في ابعاد خطر الاشعة المميتة عن الكثير من اشكال الحياة،‏ مثل الحيوانات والنباتات والبشر والعوالق التي تطلق في الهواء الكم الاكبر من الاكسجين الذي نحتاج اليه.‏ وكمية الأوزون ليست ثابتة،‏ بل تزداد بازدياد كثافة الاشعة فوق البنفسجية،‏ مما يجعل من هذه الطبقة درعا فعالا يتكيف حسب الحاجة.‏ كما تعمل على احراق النيازك والصخور التي تستطيع الافلات من المجال المغناطيسي للأرض.

حجم الشمس المناسب

تعتبر شمسنا من النجوم المتوسطة الحجم،‏ وتوسط حجمها كما رأينا سابقا يسمح لها بالاستمرارية لمدة طويلة،‏  وهذا يمنح الوقت الكافي للحياة أن تتطور وتنمو وتتنوع،‏  عكس النجوم الكبيرة التي تستنفد طاقتها بسرعة. 

وجود كوكب المشتري 

في الحقيقة يلعب كوكب المشتري دورا مهما،‏ لأنه كوكب غازي عملاق وهو الأكبر من بين كواكب المجموعة الشمسية،‏  يتمتع بحقل جاذبي قوي وكما قلنا سابقا أن وجود المشترى في المنطقة الخارجية للشمس،‏  جعلته يعمل كمكنسة تجذب كل جسم يحاول الدخول الى مجال الكواكب الداخلية ومن بينها الأرض.

وفيما يلي نقدم لكم هذا الشرح عبر الفيديو


المراجع المعتمدة
La Voie lactée De Françoise Combes et James Lequeux
 https://www.futura-sciences.com/sciences/actualites/formation-systeme-solaire-collision-galaxies-pourrait-etre-origine-systeme-solaire-81178/
دورية "Nature Astronomy

التعاليق

أحدث أقدم