أهلا وسهلا بجميع متابعي مدونة محيط المعرفة الثقافية وخاصة متابعي قسم عالم التربية.
موضوعنا لهذا اليوم سنخصصه بحول الله إلى موضوع التقويم التفاعلي وسنقوم بتعريفه ونحدد اهدافه وكذا سياقات التطبيق التربوية.

التقويم التفاعلي
التقويم التفاعلي

أصل مصطلح التقويم التفاعلي 

استعملت عبارة التقويم التفاعلي لأول مرة من طرف الباحثة السويسرية (ALLAL , 1979) للتعبير على أشكال المراقبة أو التقويم الخاصة بوضعية بيداغوجية يجرىفيها التعلم. وهذا المصطلح وليد تمييز أساسي بين تصورين أو مقاربتين "نفسية تربوية" مختلفتين للتعلم: 
الأولى سلوكية تقليدية أو حديثة، والثانية ذهنية معرفية إن لم نقل بنيوية. وحسب الباحثة فإن المقاربة السلوكية (التقليدية خاصة) تسعى إلى تكييف التلاميذ لمتطلبات وضعية التدريس والتعلم، كما هو الشأن في بيداغوجيا التحكم التي تولدت عنها بعض أشكال التقييم التكويني. في حين أن المقاربة الذهنية، في إطار "التعليم المميز" (enseignement différencié)، حسب الاختلافات والفوارق الفردية، يهتم بالدرجة الأولى بتكييف التدخلات والأنشطة الديداكتيكية لخصائص التلاميذ ولمؤهلاتهم الفردية.
نحن هنا أمام مدرستين للتفكير تعطي كل واحدة منهما صبغة ونكهة خاصة لـ منهجية التقييم التكويني. إذ على المستوى السطحي، نجد فرقا ملموسا بين مقاربة تعتمد على أدوات ووسائل للاختبار والتصحيح: إنها المقاربة السلوكية، ومقاربة ذهنية لا تتطلب أدوات من هذا القبيل. وفي العمق، هناك فرق فيما يخص موضوع التقويم والتعديل والتكييف: في المقاربة الأولى، يكون التلميذ في خدمة سياق بيداغوجي معين تطغى عليه السلوكية والتدريس بواسطة الأهداف؛ وفي المقاربة الثانية تكون البيداغوجيا في خدمة التلميذ ويتميز السياق بالتركيز على البنيوية الذهنية وعلى التعليم المتمحور حول الفوارق والخصائص الفردية للتلاميذ.

سياقات التطبيق التربوية 

لابد من التنبيه إلى أن التقويم التفاعلي كما تصورته ALLAL هو نقيض التوجه الدوسيمولوجي للتقييم التكويني الذي سبقت الإشارة إليه والذي تنعته الباحثة المذكورة بالتقويم التراجعي، وهذا لا يعني بتاتا الاختيار بين النمطين بصفة نهائية. في الحقيقة، نحن أمام مقاربتين متكاملتين، ما دامتا تستعملان في الظروف والأوقات المناسبة لكل منهما. وتجدر الإشارة إلى أن هناك ظروفا تربوية أو أشكالا من البيداغوجيا لا تتلاءم بما فيه الكفاية مع فكرة التعليم المصحح، كما هو شأن بيداغوجيا الظرف والسياق؛ حيث يكون المدخل في شكل عمل تربوي حقيقي ومعقد يقترح على التلاميذ للقيام به. ونجد مثل هذه البيداغوجيا في مقررات اللغة الفرنسية للتعليم الأساسي في ولاية كبيك الكندية، حيث يوضع التلاميذ في ظروف تواصلية قصد إنتاج أنواع خاصة من النصوص (وصف، إعلام، إعلان رسمي أو خاص، قصة،...).
كما تبنت مختلف كليات الطب بجامعات كبيك الكندية بيداغوجيا "التعلم بواسطة حل المسائل والمشكلات" في السنين الأخيرة؛ حيث يرتكز التدريس والتعلم على وضع الطلبة أمام حالات مرضية حقيقية وملموسة ويطلب منهم تقديم نتائج فحوصاتهم وإعطاء الوصفات الطبية المناسبة لعلاج كل حالة. في كلتا الوضعيتين يحدث تبادل الرأي بين الطلبة وشخص مختص أو خبير من أجل تشخيص الحاجات على مستوى التعلم والحصول على المعلومات اللازمة للقيام بالعمل أو المهمة. وفي بعض الحالات يمر وقت طويل قبل أن يشعر التلميذ أو الطالب بالحاجة إلى مزيد من المعلومات والإيضاحات لتسهيل عملية إنجاز المهمة ولدعم وتقويم مكتسبات تربوية يرجع تعليمها وتعلمها إلى وقت بعيد.

ليس بالمعقول أن يقوم تلميذ، على سبيل المثال، بإعادة كتابة إنشاء، فشل في تحقيق الأهداف المتوخاة منه أو لم يكن قد ارتقى إلى المستوى المطلوب، مرات عديدة. إذ سيؤدي ذلك إلى تخلي التلميذ عن المهمة، قبل إتمامها؛ وستكون له عواقب سلبية جد مؤثرة. في المقابل، نفضل إعطاءه معلومات وشروحات إضافية في شكل تغذية راجعة، آملين أن تساعده في إنجاز مهمة مقبلة مماثلة وعلى تجاوز الصعوبات وتحسين مستوى أدائه في مناسبات وأوضاع تربوية مماثلة.

أهداف التقويم التفاعلي 

إن وضع التلاميذ في ظروف تعليمية وتعلمية خاصة ببيداغوجيا المشاريع أو حل المسائل والمشكلات، يتطلب توفير سياق مشجع لتفاعل كافة أفراد القسم الواحد مع النشاط أو المهمة المقترحة عليهم. كما يتطلب كون هذه الأخيرة جذابة ومحفزة لكافة تلاميذ القسم الواحد. إضافة إلى ذلك، يحتاج هؤلاء إلى الشعور بأن المهمة المذكورة لا توجد فيها صعوبات يستحيل تجاوزها؛ بعبارة أخرى لابد أن يحس التلاميذ، بل أن يقتنعوا، بإمكانية التحكم من المهارات التي يتطلبها إنجاز المشروع المقترح عليهم، وأن بلوغ الأهداف المسطرة له جد ممكنة وفي متناول الجميع.

ونحن نذكر الصفات الخاصة ببيداغوجيا المشاريع وحل المسائل والمشكلات، نقوم في نفس الوقت بذكر عدد من العناصر الأساسية في تقويم أو ضبط وتعديل التعلم التي تنبني عليها منهجية التقييم التكويني في إطار هذه المقاربة: تقويم وتكييف فهم التلاميذ للمسألة التي يسعون إلى حلها أو للمشروع المطلوب إنجازه: تقويم وتكييف النشاط أو المهمة المقترحة للرفع من دوافع التلاميذ ومستوى تحفيزهم.

في إطار مقاربة بيداغوجيا المشروع أو السياق لحل المسائل، يتوصل المعلم/الأستاذ من قبل التلاميذ بعلامات ويلاحظ مؤشرات وجود سوء فهم أو تصور بخصوص الهدف المرصود؛ كما يلاحظ انخفاض مستوى التحفيز أو فقدان بعض الدوافع الأساسية. مما يتطلب منه القيام بتدخلات سريعة قصد تقويم السيرورة وتوجيه التلاميذ نحو الأهداف المسطرة. وإذا كان هؤلاء يعملون على إنجاز المشروع أو حل المسألة المطروحة عليهم بشكل جماعي وفي إطار بيداغوجيا تعاونية، فإن ذلك يؤدي إلى خلق جو من النقاش المثمر وتبادل الآراء حول طريقة بلوغ الهدف. الشيء الذي يسمح بتوجيه العمل وقيادة المشروع جماعة والاتفاق على الاستراتيجيات المناسبة والناجعة.

إننا إذا في قلب التقويم والتعديل التفاعلي وفي إطار تقييم تكويني لا يتطلب أدوات عديدة ومنهجية معقدة أو صعبة التطبيق على مستوى القسم. إذ هناك أخذ وعطاء بين التلاميذ، مع الرجوع إلى الأستاذ قصد الاستشارة ثم العودة إلى إنجاز المشروع الموجود قيد التنفيذ. وتجدر الإشارة إلى أن مجموع التقويمات تنصب على الجوانب الذهنية والعاطفية للتلاميذ قصد توجيههم نحو الأهداف المسطرة لهم في المشروع المعتمد. ومما لا شك فيه أن الملاحظة المباشرة وتبادل الرأي بين التلاميذ حول أنجع السبل لتحقيق الأهداف المذكورة تكتسي أهمية قصوى وتحتل مكانة أساسية في التقويم التفاعلي الذي يحدث أثناء إنجاز العمل المطلوب، وليس قبل أو بعد حصول التعلم بمعناه الحقيقي.

ومن هنا يتضح لنا أن التعديل والتقويم التفاعلي لسيرورة التدريس والتعلم، حسب ما هو متفق عليه وما توصلنا به من معلومات لحد الآن، يتلاءم بصفة خاصة مع تصور سيكوبيداغوجي يهدف إلى تكييف وسائل التدريس لصفات التلاميذ ومؤهلاتهم الخاصة. ولابد من وضع هذا النوع من التقويم في إطاره الطبيعي وإعطائه توجهه الحقيقي، إذ ليس هناك تقويم حسن وآخر سيء؛ وإنما هناك تقويمات أكثر أو أقل ملاءمة. ويعد هذا التكييف من بين الانشغالات الهامة للمختصين والباحثين في التقييم التكويني الذين يعملون على توضيح مغزاه والرفع من مكانته. إلا أنه مادامت هناك أهداف تربوية نعمل على بلوغها وتحقيق التحكم فيها من طرف التلاميذ، كما هو الشأن في المهارات الأساسية في الحساب والرياضيات وفي اللغة الرسمية، على سبيل المثال، فإنه يصعب علينا عدم الاهتمام بتكييف كل تلميذ لبعض متطلبات النظام التعليمي. إذ قد تكون مقاربة التقييم التكويني المبنية على التغذية الراجعة مكسبا ثمينا في إطار بيداغوجيا السياق من غير إهمال فوائد التعليم المصحح الذي قد نحتاجه عند المراقبة الشاملة والمنتظمة لبعض المهارات التعليمية الأساسية. فأشكال التقويم التي نقدمها هنا وهناك لا تأتي من أجل التغيير واستبدال غيرها وحل محلها بقدر ماهي أداة لإغناء رصيدنا وتطوير ممارستنا على مستوى التقييم التكويني. ومن هذا المنطلق جاء اقتراح كارديني (cardinet 1986) لنوع جديد من التقويم  والتعديل التربوي يسمى بالتقويم القبلي بواسطة مساءلة التلاميذ حول موضوع التدريس والتعلم قبل الشروع في كل درس وعند بداية كل حصة. وتجدر الإشارة إلى أن التقويم القبلي يسعى إلى ضبط وتنظيم وضعية التعلم وتصورات التلاميذ قبل الشروع في التدريس والدخول في صميم عملية التعليم والتعلم.

المرجع: المفاهيم والمصطلحات الأساسية في التقييم التكويني للتعلم بتصرف
تأليف: جيرار سكالون Gérard Scallon وجاسنت دولبيك Jacynthe Dolbec
ترجمة وتكييف: الدكتور محمد فاتحي.

التعاليق

أحدث أقدم