قررت روما في أوج قوتها حوالي 200 سنة قبل الميلاد التوسع على حساب القوى والامبراطوريات المجاور. كمملكة مقدونيا الهلستينية وسرقوسة والإمبراطورية السلوقية وقرطاجة الفينيقية هذه الامبريالية التي كشرت على انيابها جعلت هانيبال (حنا بعل) القائد العسكري المتمرس الذي يعتبر من أكثر قادة التاريخ دهاء ومكرا.و الذي امتلك مقدرة عجيبة على جمع المعلومات مكنته من فرض زمان ومكان المعارك على خصومه هذه الطريقة في التفكير جعلته  يجهز حربا استباقية موجهة ضد الرومان في عقر دارهم.
المكان الذي عبر منه هانيبال Hannibal جبال الألب لمواجهة الإمبراطورية الرومانية
المكان الذي عبر منه هانيبال Hannibal جبال الألب لمواجهة الإمبراطورية الرومانية  

مواجهة هانيبال الأصعب

لكن المواجهة الأصعب ليست هي مواجهة الكتائب الرومانية الشديدة التنظيم والمدربة على أعلى مستوى والمجهزة بكل العتاد التقني والحربي المتوفر في ذلك الوقت، بل مواجهته الأصعب كانت عبور جبال الألب والبيريني الشامخة الشديدة البرودة بحيث لم يثبت عبور شخص لهذه الجبال إلا في أساطير هرقل Hercule.
إنها أشبه بعملية انتحارية أن تعبر بجيش كامل قوامه 30000 مقاتل و 15000 حصان و 37 فيلا، فحتى لو تمكنت من تجاوز هذه الصعوبات ستصل بجيش منهك ومتعب وبعدة ألاف من المرضى وستفقد الكثير من الأحصنة والفيلة. بالإضافة العواصف الثلجية الهائلة، وحوادث انهيار جبال من الجليد، وغارات القبائل المتوحشة، والتيه في الطرق المجهولة، والتعرض للسقوط في المتهاوي، من جراء السير على السفوح الشديدة الانحدار. والأمر الذي يثير الدهشة والإعجاب لا يقتصر على أن هنيبعل اجتاز جبال الألب، بل أنه اجتازها بسرعة، واستطاع في الوقت عينه أن يحافظ على جيشه، وأن يسيطر على العدد الكبير من الفيلة التي اصطحابها معه وأن يقود رجاله إلى الهدف الأخير بقوة ودقة عجيبتين في 15 يوما وألحق العديد من الهزائم بالجيش الروماني ومن أشهر المعارك التي انتصر فيها: تيسينيوس وتريبيا وكاناي العظمى.

لماذا يجب أن يكون ممر ترافرسيت هو الطريق الذي عبر منه هانيبال؟ 

 
 ترافرسيت
منطقة تواجد ممر ترافرسيت

يزعم المؤرخان الشهيران كروماير وفايث في كتابهما Schlachtenatlas أن هانيبال قد اجتاز جبال الألب عبر أحد النقاط الست المحتملة: جبل سنيس – سان برنار الصغير – سان برنار الكبير- جبل جنيفر- ممر أرجنتيير- وممر ترافرسيت col de la Traversette.
خضعت المواقع السالفة الذكر للمسح الجيولوجي وقد تم الاتفاق على ممر ترافرسيت. وقد تم تحديده بالفعل كمكان محتمل نظرا لاتساعه وإمكانية مرور العربات والفيلة عبره حوالي 3000 متر عرضا وكذلك لتشابهه مع الوصف الوارد في كتب التاريخ.
قام كل من كريس ألين من جامعة كوينز بلفاست (ايرلندا الشمالية، المملكة المتحدة) وبيل ماهاني من جامعة نيويورك، بتحليلات بيولوجية في موقع مختلفة من نقاط العبور السالفة الذكر وقد شملت (حبوب اللقاح، والتركيب الكيميائي، metagenomics، الطبقات ...) وقد تأكد للمرة الثانية أن ممر ترافرسيت يتوفر على رواسب تختزن داخلها كميات هائلة من براز الحيوانات تنتمي إلى جنس كلوستريديوم (اللاهوائية) والتي تشكل 70٪ من الجراثيم المعوية لدى الخيول كما أكد تحليل الكربون 14 أن تاريخ هذه الرسوبيات يرجع إلى 200 سنة قبل الميلاد أي أنه يتزامن مع حملة هانيبال التي بدأت  سنة 2018 قبل الميلاد . ووصف الفريق العلمي ذلك في في المجلة العلمية Archaeometry بقولهم "من الرائع أن تقف في المكان الذي عبر منه أعظم قادة التاريخ رفقة جيشه وأن تتخيل تجمع الألاف من الجنود والخيول مع بضع عشرات من الفيلة في ليال شتوية متجمدة من ليالي جبال الألب الشامخة. وتقول في نفسك أنا من اكتشف المكان"

                                             المجلة العلمية Archaeometry
                                 كتاب Schlachtenatlas للمؤرخين كروماير وفايث

4 تعليقات

  1. موضوع مفيد جدا
    مشكورين

    ردحذف
  2. في الحقيقة أنا معجب بشغف علماء الغرب بالاستكشاف وحب المعرفة فهم لا يقبلون بالمسلمات ودائما في بحث مستمر عن الحقائق أينما كانت وحيثما وجدت والمفروض أن يكون هذا حال المسلمون للتخلص من حالة الجمود والتخلف الذي نعيشه (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)

    ردحذف
  3. مثل هذه النوعية من المواضيع هي التي نحتاجها فمن لم يعرف تاريخه لا مستقبل له
    نتمنى لكم الاستمرارية بهذا الموقع ومزيدا من التألق وفقكم الله

    ردحذف
  4. أخي العزيز في الحروب البونية التي قامت بها قرطاج و روما كانت قرطاج البونقية و ليست الفنيقية

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم