الجامعة هي مؤسسة للتعليم العالي الذي يتألف من مجموعة وحدات للتكوين والبحث، وأيضا من معاهد ومراكز ومختبرات للبحث.
ومن المعلوم أن الجامعة تتمتع بالاستقلالية والشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي والبيداغوجي والعلمي والثقافي.


العلاقة بين الطالب والأستاذ الجامعي
العلاقة بين الطالب والأستاذ الجامعي

والدراسات الجامعية يجب أن تستجيب للشروط التالية:

  • تلبية الحاجات الدقيقة وذات الأولوية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  • تركيز هيكلة الدراسات على مسالك ووحدات.
  • إحداث جذوع مشتركة وجسور بين المسالك.
  • ارتكاز سيرورة الطالب الجامعية على التوجيه والتقويم وإعادة التوجيه.
  • اكتساب الوحدات عن طريق المراقبة المستمرة والامتحانات المنتظمة مع ترصيد المحصلة منها.
فإذا كانت هذه هي الشروط التي أتى بها الإصلاح الجامعي بالمغرب سنة 2003، والمتمثلة في تغيير مناهج التدريس بالاعتماد على نظام الوحدات والمسالك، وتغيير نظام الامتحانات...، ألا يحق لنا أن نتساءل عن موقع كل من الأستاذ والطالب من هذا الإصلاح، علما أنهما قطبان أساسيان في العملية التعليمية الجامعية؟ ماذا وفر لهما الإصلاح الجامعي من أجل تجاوز مفهوم الجامعة التقليدية حيث الأستاذ هو ذاك الشخص المعلم، والطالب ذاك الشخص المتعلم؟ التمكن من ربط علاقة مميزة، بعيدة عن عملية التلقين من قبل الأستاذ والتلقي من قبل الطالب، ومن ثم تحقق الجامعة أهدافها المعرفية والأكاديمية والتربوية.

إن جولة سريعة في الكليات المغربية المختلفة، توضح أن الوضع في الجامعة لم يتغير على مستوى الهندسة والإمكانات (القاعات، المدرجات، المكتبات...)، والتي تعتبر أساسية في أي عملية تغيير نطمح إليها. هذا الوضع القائم، يجعل من علاقة الأستاذ بالطالب علاقة صعبة ومعقدة، لأن الأستاذ مطالب بمجموعة من الحصص التي عليه أن ينهيها قبل فترة الامتحانات، والطالب مطالب بنفس الحصص لإعدادها للامتحان أيضا. إضافة إلى الفضاء المكاني الذي يجمعهما، فما زلنا نجد أنفسنا أمام الأعداد الهائلة من الطلبة، والذين لا نعرف عنهم أي شيء سوى أنهم طلبة مسجلون في اللوائح، قد نلتقي بهم خارج إطار المحاضرة أو لا نلتقي، لأن الأستاذ لا يتوفر على مكتب خاص لإجراء لقاءاته، هذه الأخيرة التي قد تتم أحيانا في ساحة الجامعة.
كل هذه العوامل تجعل من علاقة الأستاذ بالطالب علاقة صعبة، أي أن الفضاء المكاني لا يساعد على خلق مناخ علائقي مبني على التواصل والتلقائية، ولا يسمح ببروز العلاقات البين شخصية. ولذلك نرى الطالب يقيم الأستاذ بصفة عامة وبعبارات جافة مثل: أستاذ مقتدر أو غير مقتدر، لين المراس أو صارم... لكن تبقى العلاقة الوحيدة الممكنة هي علاقة الأستاذ بالطالب خلال الدروس والمحاضرات، وهي التي تشكل موضوع هذه التدوينة.

وقبل الحديث عن علاقة الأستاذ بالطالب، لابد من تحديد الفضاء الذي تتأسس فيه هذه العلاقة وتتبلور، نظرا لما للفضاء المكاني والإطار الزماني من دور فعال في إبراز ملامح ومميزات أية علاقة إنسانية في الوجود. فعلى مستوى الفضاء المكاني، تنمو العلاقة بين الأستاذ والطالب في رحاب الجامعة، أما على مستوى الإطار الزماني، فهي تنمو في مرحلة عمرية متميزة، مرحلة الشباب والانتقال من مرحلة التعليم الثانوي وما تحمله من موروث ثقافي واجتماعي تشبع به التلميذ طيلة مراحل تعليمه، ليجد نفسه في فضاء مغاير، عليه التكيف معه.

ففي الجامعة، يجد الطالب نفسه في فضاء أوسع، وأمام هامش أكبر من الحرية، حرية التصرف في وقته، حرية اتخاذ القرار بالالتزام أو عدمه، حرية الإذعان للجداول الزمانية، حرية العلاقات، حرية التعلم، إلى غير ذلك، عكس ما كانت عليه المؤسسة التربوية من قبل، أي الالتزام بالمسطرة التربوية.

وهنا تبرز إشكالية التعامل مع هذا الوضع الجديد بالنسبة للأستاذ. فأي علاقة يمكن تأسيسها مع هذا الطالب ما دامت العلاقة بين الأستاذ والطالب في هذه المرحلة تشكل المحور الرئيسي في الارتقاء بمستوى التعليم والتحصيل، خاصة وأن الأستاذ الجامعي الناجح والمتألق، ليس هو ذلك الشخص الذي يلقي على طلبته بثقل معلوماته أو ثقل عظمته، وإنما هو الذي يلهمهم ويوحي إليهم، ويستفز قواهم الفكرية ويحفز قدراتهم المهارتية والإبداعية. وهكذا يمكننا أن نميز بين نوعين من العلاقة بين الأستاذ والطالب:

  • العلاقة الطيبة التي تتسم بروح الحوار والمرونة والاستماع والمناقشة، وفيها تكون المحاضرة ممتعة ومفيدة في نفس الوقت، مما يؤثر إيجابا في الطلبة.
  • العلاقة البعيدة عن روح المستوى الجامعي، حيث يلقي الأستاذ المحاضرة بشكل جاف وممل، مصحوبة بالنهي والأمر، أي علاقة فيها الكثير من الرسميات، وكأن ما يمليه الأستاذ هو الحقيقة المطلقة التي لا مجال للجدال فيها، وهكذا يضع الأستاذ حاجزا بينه وبين الطلبة، مما يؤثر سلبا في عملية التحصيل لديهم.
هذا هو نوع العلاقة التي تربط الأستاذ بالطالب إذن، أي علاقة مبنية على مبدأ الحوار، والاعتراف بوجود الطالب، لا كمتلق للمعرفة فقط، وإنما كذات مفكرة لها الحق في إبداء الرأي فيما يقدم لها، وحق النقاش والرفض لما لا يقبله العقل؛ وعلاقة مبنية على مبدأ السلطة بحيث يظن الأستاذ أن له كامل الحق في ممارستها دون النظر إلى الطالب كذات مفكرة، وإنما عليه قبول ما يقدم له كحقيقة مطلقة غير قابلة للنقاش. فأي نوع من العلاقة هو الأجدى يا ترى؟ خاصة ونحن على مشارف نهاية العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين، في عالم يمج بالتغيرات من حولنا على مستوى الفكر والقيم والأخلاق.

تكمن الإجابة عن هذه التساؤلات في الإصلاح الجامعي نفسه، الذي أتى من أجل تلبية الحاجات الدقيقة وذات الأولوية في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وأيضا من أجل التوجيه والتقويم وإعادة التوجيه، وهما أمران لن يتم تحقيقهما إلا إذا أعيد النظر في العلاقة التي تربط الأستاذ بالطالب، لما لها من أهمية في مجال التحصيل المعرفي والمهاراتي، وكذا التفكير في خلق الشروط الضرورية لبناء هذه العلاقة، وهي شروط مادية بالأساس، وعلى رأسها خلق الفضاء الملائم الذي سيمكن الأستاذ والطالب من التفاعل الإيجابي في رحاب الجامعة، لأن الحياة الدراسية، مثل الحياة الاجتماعية، تتطلب إقرار الديمقراطية وإشراك كل الأطراف في بناء صرح العلاقات بكل حرية وتلقائية. وهذا البناء العلائقي بين الأستاذ والطالب لن يتأتى إلا بإحلال طرق تعليم بديلة للطرق التقليدية التي لا تسمح بتبادل العلاقات بين المعلم والمتعلم.

نحن اليوم في أمس الحاجة إلى جيل من الطلبة (رجال ونساء المستقبل) قادر على أن يشارك في الحياة العامة بكل ثقة، قادر على أن يناقش ويعمل فكره فيما يقدم له، ولا أحد يمكن أن يكرس في نفسه الإيمان بالحق في الاختلاف وجدوى الحوار الثقافي وقيمة التواصل الحضاري والتبادل المعرفي المجرد من كل غلو أو تعصب، إلا الأستاذ، هذا الشخص الذي عليه أن يؤمن، قبل غيره، بهذه القيم، وأن يبني علاقة ودية، ديمقراطية، وإنسانية بينه وبين الطالب، لا أن يصاب بالغرور والعظمة إن هو أراد أن يؤدي رسالته النبيلة.

المرجع: دفاتر التربية والتكوين العدد الأول نونبر 2009. بتصرف من مدونة محيط المعرفة

التعاليق

أحدث أقدم