الإنسان النيونديرتالي تحث المجهر Homo neanderthalensis

قراء مدونة محيط المعرفة الأوفياء تحية طيبة، مر التاريخ البشري بعدة محطات متتالية، ولم يبق من هذه المحطات إلا بعد الحفريات والعظام والآثار والكتابات على الصخور والبرديات. ولذلك يغلب التنبؤ والذاتية والتوجه الإيديولوجي والفكري على فرضيات واستنتاجات المؤرخين وفي موضوعنا لهذا اليوم سنلقي الضوء على ما يقوله دعاة التطور المنتسبين لتشارلزداروين ومناوئيهم من مؤيدي نظرية الخلق حول الحفريات المتعلقة بالإنسان النيونديرتالي وماذا تعنيه وما تثبته؟ وهل فعلا الإنسان المعاصر ليس إلا حلقة سبقتها حلقات من التطور؟


الإنسان النيونديرتالي Homo neanderthalensis
الإنسان النيونديرتالي Homo neanderthalensis

نظرية التطوريين

يزعم أتباع داروين أن النياندرتاليون ذوو الدماغ الكبيرقد احتلوا كلا من أوروبا وغربي آسيا لمدة تزيد على 200 ألف سنة، حيث صارعوا البرد القارس خلال الفترات الجليدية في أوج تناميها، وكذلك الأخطار اليومية لحياة ما قبل التاريخ. صحيح أنهم لم يعد لهم وجود اليوم، ومع ذلك فإن الباحثين ـ فيما عدا هاتين الحقيقتين (وجود النياندرتاليين وزوالهم) ـ يتناقشون بشدة حول من هم النياندرتاليون؟ وكيف عاشوا وماذا حدث لهم بالضبط؟

كان أول ما شد انتباه الباحثين إلى عقد المقارنات بين النياندرتاليين وأفراد فصيلة الإنسان الحديث، اكتشاف هيكل عظمي نياندرتالي غير كامل في وادي نياندر بألمانيا عام 1856. فقد كانت هذه البقايا (المؤلفة من عظام أطراف ضخمة ومن جمجمة مكتنزة تحمل العلامة المميزة ـ حيدا جبهيا browridge مقوسا) تختلف اختلافا بينا، الأمر الذي جعل النياندرتاليين يُنسبون إلى نوع خاص بهم هو الإنسان النياندرتالي Homo neanderthalensis (على الرغم من أن ذلك لم يحظ باتفاق الجميع حينذاك، إذ جادل بضعة من العلماء الألمان بأن هذه البقايا كانت لسائس خيول قوزاقي أعرج.
بيد أن الاكتشاف الفرنسي للرجل العتيق The Old Man في موقع لاشاپل-أُو-سانت La Chapelle-aux-Saints بعد نحو خمسين عاما، هو الذي أدى إلى توصيف النياندرتاليين كطلائع بشرية بدائية. فقد أظهرتهم إعادة بناء هياكلهم كبهائم مُحْدَوْدَبين متثاقلي الحركة شبيهين بالقرود، على نقيض صارخ من الإنسان العاقل Homo sapiens المنتصب القامة الرشيق الحركة. وبدا أن النياندرتالي قد مثّل ذلك "الآخَر" other النهائي، الذي هو غول بليد الفهم يتوارى خلف العتبة التطورية للبشرية.

وبعد عقود من الزمن، كشفت إعادة تقييم فرد لاشاپل أن بعض ملامحه التشريحية قد أسيء تفسيرها. ففي الواقع كانت وقفة posture النياندرتالي وحركته مماثلتين لوقفتنا ولحركتنا.
ومنذئذ جاهد المختصون في علم الإنسان القديم لمعرفة ما إذا كانت الملامح المورفولوجية التي تميز النياندرتاليين كمجموعة (مثل غلظة هياكلهم العظمية، وأطرافهم القصيرة وصدورهم البرميلية الشكل، وحيود جباههم البارزة وجُبُنِهم(5) المائلة الواطئة، وأواسط وجوههم الناتئة، وفكوكهم العديمة الذقن) تبرر تصنيفهم في نوع منفصل. ويتفق الباحثون على أن بعض هذه السمات تمثل تكيفات بيئية.
فعلى سبيل المثال، سمحت الأجسام القصيرة الممتلئة للنياندرتاليين بالمحافظة على حرارة أجسامهم على نحو كفء في ذلك الطقس الشديد البرودة الناجم عن الدورات الجليدية. ولكن معالم أخرى، مثل شكل الحيد الجبهي النياندرتالي، تفتقر إلى مغزى وظيفي واضح، ويبدو أنها تعكس التراوح الجيني النمطي الذي يميز الجماعات المنعزلة.

ويقول بعض العلماء بأن هناك سببًا آخر للشك في هذه الادعاءات عن التهاجن interbreeding، يتمثل في أنها تناقض النتائج التي توصل إليها.الدكتور" پابو" من جامعة ميونيخ مع زملائه، عندما أعلنوا في الشهر 7/1997 أنهم اكتشفوا دنًا ميتوكوندريًا mtDNA من أحفورة نياندرتالية وقاموا بتحليله. فقد جاء بشكل صريح في غلاف مجلة الخلية Cell التي نشرت ذلك التقرير، أن: "النياندرتاليين لم يكونوا أسلافنا."
فمن خلال الشريطة القصيرة للدنا الميتوكوندري الذي حللوا تتالياته sequences، قرر هؤلاء العلماء أن الفرق بين الدنا الميتوكوندري النياندرتالي والدنا الميتوكوندري الخاص بأفراد الإنسان الحديث الحاليين هو أكبر بكثير من الفروق الموجودة لدى الجماعات البشرية الحالية. غير أنه، وإن بدا في الظاهر أن مسألة النوع تم حسمها، بقيت هناك اتجاهات خفية مناهضة تثير الشكوك.

إن التأثرات البيولوجية والسلوكية بين الجماعات النياندرتالية والجماعات المبكرة من الإنسان الحديث كانت معقدة للغاية ـ فهي أعقد بكثير من أن تكون أصول أفراد البشر الحديثين في أوروبا قد تضمنت استبدالا كاملا وبسيطا للنياندرتاليين؛ فالنياندرتاليون لم يعودوا موجودين ككائنات حية. ويمكن ألا تكون الجينات النياندرتالية استدامت حتى الوقت الحاضر، غير أن تلك الجينات كانت موجودة في بداية التاريخ البيولوجي للأفراد الأوروبيين من الإنسان الحديث.

نظرية الخلق

النياندرتاليون (Neanderthals) هم عبارة عن مجموعة من البشر ظهرت فجأة قبل مئة ألف سنة في أوروبا واختفت (أو تم استيعابها في أجناس أخرى عن طريق الامتزاج) بهدوء ولكن بسرعة منذ 35 ألف سنة. وكان الفرق الوحيد بينهم وبين الإنسان العصري هو أن هيكلهم العظمي أقوى وسعة جمجمتهم أكبر قليلاً.

ويُعدّ النياندرتاليون جنساً بشرياً، ويكاد الجميع يعترف بهذه الحقيقة اليوم. وقد حاول دعاة التطور بشدة أن يقدموهم على أنهم نوع بدائي، ولكن كل الاكتشافات تدل على أنهم لا يختلفون عن أي إنسان قوي يمشي في الشارع اليوم. لقد أظهرت المقارنات  بين بقايا الهيكل العظمي للإنسان النياندرتالي وبقايا الهيكل العظمي للإنسان العصري عدم وجود أي شيء في تشريح الإنسان النياندرتالي يدلل بشكل قاطع على أن قدراته الحركية أو اليدوية أو الفكرية أو اللغوية أقل من نظيراتها في الإنسان العصري.
ولهذا السبب يعمد العديد من الباحثين المعاصرين إلى تعريف الإنسان النياندرتالي بوصفه نوعاً فرعياً من أنواع الإنسان العصري ويطلقون عليه اسم الجنس النياندرتالي للإنسان العاقل (Homo sapiens neandertalensis). وتثبت الاكتشافات العلمية أن النياندرتاليين كانوا يدفنون موتاهم، ويصنعون الآلات الموسيقية، وتجمعهم قرابات ثقافية مع الإنسان العصري الذي كان يعيش في نفس الفترة الزمنية. وعلى نحو دقيق: يعتبر النياندرتاليون جنساً بشرياً قوياً انقرض كما انقرض العماليق (قوم عاد) المذكورون في القرآن الكريم .

هناك بعض آثار الحفريات للقردة والتي يفسرها علماء الآثار الداروينيين على أنها مرحلة متوسطة ما بين القردة والإنسان. يميل أغلب الناس للتفكير في هذه التفسيرات عندما يتخيلون إنسان الكهف. فهم يتصورون كائنات أنصاف بشر وأنصاف قردة كثيفي شعر الجسم جالسين القرفصاء بجانب النار في أحد الكهوف، ويرسمون على الجدران بأدواتهم الحجرية البدائية. وهذا مفهوم خاطيء ولكنه شائع. وفيما يخص علم الحفريات الدارويني يجب أن نضع في أذهاننا أن هذه التفسيرات تعكس نظرة عالمية شائعة وليست نتيجة أدلة وبراهين.
للأسف فإن الإعتقاد السائد يشجع هذه الفكرة أن الإنسان والقردة كليهما تطورا من نفس الأجداد، يعتبر هذا أمراً مسلياً أو مضحكاً أن نفكر في المجهودات التي يبذلها علماء التطور (المصدقين لخزعبلات داروين) لإثبات وجود إنسان الكهف ماقبل التاريخ. فيجدون أحد الأسنان المشوهة في كهف ما ويخلقون بناء على ذلك كائناً مشوهاً عاش في كهف بظهر منحني الظهر كالقردة. ليس هناك أية طريقة يمكن بها للعلم أن يثبت وجود إنسان الكهف من الحفريات والآثار. إن علماء التطور ببساطة لديهم نظرية وإيديولوجيا يريدون أن ينسفوا بها وجود الخالق، ويخترعون الدليل عليها ليناسبها. كان آدم وحواء أول إنسانين في الخليقة وخلقهما في أحسن تقويم وعاقلين ومنتصبي القامة.

المصادر:                         
Guide to Terminology
The Fate of the Neandertals
هارون يحي : أطلس الخلق

التعاليق

أحدث أقدم