الفلسفة الداروينية حقيقتها وأبعادها 

الداروينية هي كلمة منسوبة ل "تشارلز داروين" عاش ما بين 1731و1820م وهي فلسفة علمانية كمونية، أي أن الطبيعة تحوي داخلها كل القوانين التي تتحكم فيها وكل ما تحتاج إليه لتفسيرها، فهي علة في ذاتها مكتفية بذاتها فهي تنكر أي مرجعية غير مادية، وتستبعد الخالق من المنظومة المعرفية والأخلاقية، وقد حققت الداروينية انتشارا واسعا في أواخر القرن 19 وهي الفترة التي انتشر الإستعمار الإمبريالي ليقتسم العالم كله.



الفلسفة الداروينية حقيقتها وأبعادها
الفلسفة الداروينية حقيقتها وأبعادها


ويمكن القول أن الداروينية هي النموذج المعرفي الكامن وراء معظم الفلسفات العلمانية، ويرى مروجوا الداروينية أن القوانين التي تسري على عالم الطبيعة والغابة هي نفسها التي تسري على الظواهر الإنسانية، وهذه القوانين نجدها في كتابي داروين "أصل الأنواع " الذي يعتمد على فكرة الإنتخاب الطبيعي و"بقاء الأجناس" الذي يحدد فيه الأليات الملائمة في عملية الصراع من أجل البقاء، وترى الدارونية بأن الإنسان ماهو إلا إحدى حلقات التطور ولكنه ليس أخرها بمعنى أن الإنسان الحالي سيتطور فيصبح نوعا جديدا أكثر قدرة على البقاء، ويرى داروين أن تقدم الأنواع البيولوجية يعتمد على الصراع من أجل البقاء الذي ينتصر فيه الأصلح إذن فعالم دارين عالم مستمر ومغلق لا ثغرات فيه فكل حلقة تؤدي إلى التي تليها ففي نظره تؤدي الخلية الواحدة إلى القرد والقرد بدوره يؤدي إلى الإنسان بطريقة ألية تماما، كما تتحرك جميع الأجسام تحت تأثير الجاذبية.

ولكنه في واقع الأمر عاجز من الناحية العلمية عن اثبات كثير من فرضياته، فهناك حديث عن الحلقة المفقودة وهي تعني وجود مسافة بين القرد والإنسان لذلك نجدهم يتحدثون عن الطفرة لسد الثغرة في الزمن من دون سبب واضح.

وقد وظفت الداروينية في تبرير التفاوت بين الطبقات داخل المجتمع الواحد وفي الدفاع عن حق الدولة العلمانية في تبرير المشروع الإمبريالي الغربي فالفقراء وشعوب أسيا وإفريقيا والضعفاء على العموم أثبتوا أن مقدرتهم على البقاء ليست مرتفعة ولذا هم يستحقون الفناء أو على الأقل الخضوع للأثرياء أو الإنسان الأبيض بصفة عامة.

فعملية التطور تتم من خلال صراع دموي حتمي جماعي فالكائن أو النوع الذي ينتصر على الأنواع الأخرى يحقق البقاء المادي لنفسه ويثبت أنه نوع أرقى من الأنواع الأخرى إذ حقق البقاء على حسابها، ومهما كانت ألية البقاء (القوة-السرعة...) فليس لها أية قيمة أخلاقية أو دينية فالبقاء هو القيمة المحورية في المنظومة الداروينية والنوع الذي ينتصر يورث خصائصه التي أدت إلى انتصاره  وسر بقائه إلى بقية أعضاء النوع بمعنى أن التفوق يصبح عنصرا وراثيا فهذه الألية تتجاوز الخير والشر والأخلاق.

والداروينية ترسخ بأن العالم أن هو إلا مادة خالية من الغرض والهدف والغاية كالطبيعة محايدة لاتعرف الخير والشر أو القبح أو الجمال. ويمكن القول أن"الأميبا"من هذا المنظور أكثر تميزا من الإنسان لأنها حققت البقاء لنفسها مدة أطول بكثير من الإنسان وهو مثلها لا يحمل أي أعباء أخلاقية هذا يعني عدم وجود أي فارق أساسي بين مجموعة من الشباب يختطفون فتاة يغتصبونها ثم يقتلونها وقطيع من الذئاب تهاجم ظبيا وتلتهمه فكلاهما تدفعه غريزة طبيعية قوية والفارق الوحيد أن الشباب هاجموا فردا من نفس نوعهم.

ويمكن تلخيص كل ما ورد بأن القيمة الوحيدة هي البقاء والصراع هو الألية والأنانية وحب الذات هي المحرك، إذن فالعالم هو ساحة قتال بين ذئاب بشرية وأن الأمم لابد أن تصرع بعضها البعض لغاية البقاء وهي كما سماها داروين حرب الجميع ضد الجميع بحيث يهلك الضعفاء ولا يبقى إلا اللأقوياء.

وقد قال أوجست كونت أن التطور هو تطور من مجتمع يستند إلى السحر إلى مجتمع يستند إلى الدين وصولا المجتمع الحديث الذي يستند إلى العلم، إذ يرى أن الإنسان الأبيض هو أخر حلقات التطور و أعلاها ونجد أن "هتلر"و"موسوليني" تبنوا هذه النظرية حيث أبادوا المعوقين والمتخلفين عقليا وأفراد الأجناس الأخرى وقاموا بالتحكم في النسل عن طريق تنظيم الزيجات لإنجاب أريين أصحاء.

والفكر الصهيوني مثله مثل الفكر النازي هو ترجمة لرواية الداروينية فقاموا بغزو فلسطين باسم حقوق اليهودية المطلقة ممثلين للحضارة الأوروبية ويحملون عبء الرجل الأبيض ونظرا لقوتهم العسكرية يملكون قدرة أعلى على البقاء .
أي أنهم جاؤوا من الغرب مسلحين بمدفعية إيديولوجية داروينية علمانية ثقيلة فذبحوا الفلسطينيين وهدموا قراهم واستولوا على أراضيهم. ويقول دعاة الداروينية أن الأخلاق والدين والمبادئ ما هي إلا اختراعات العقل البشري ليبرر وجوده .
ومن هنا نستطيع أن نقول أن النظم التوسعية والقوميات التعصبية تبنت الداروينية ليس لقيمتها العلمية الزائفة ولكن لقوتها الإيديولوجية.

بقلم/حسين بوتشيشي
كتاب أصل الأنواع
كتاب الفلسفات المادية وتفكيك الإنسان

التعاليق

أحدث أقدم