ضيوف مدونة محيط المعرفة الأوفياء سلام الله عليكم، نستكمل معكم في هذا الموضوع رحلتنا الشيقة في بلاد الرافدين العريقة فبعد أن وصلنا إلى عصر المعدن وما تمخض عنه منه من تغيرات جذرية في مجتمعات تلك الحقبة والتي يمكن تلخيصها في تحقيق الإنسان لفائض انتاج في المزروعات والفخار والأدوات المعدنية مما سمح بتطوير المبادلات التجارية واتضحت معالم التبادل التجاري (المقايضة) بين ما ينتجه الفلاح وما ينتجه الصناع، وهذا ما يشير إلى التخصص في المهن وتقسيم العمل، وظهور تراتبية اجتماعية خلقت طبقات اجتماعية متفاوتة الثروة والنفود على شكل هرم يقبع في أسفله المزارعون والباعة المتجولون، وفي مرتبة أعلى سيد النار(الحداد) ويليه الجنود والفئة الحاكمة والاقطاع في أعلى الهرم.  لكن يبقى أهم حدث هو اختراع الكتابة الذي سيمهد الطريق لعصر فجر السلالات أو عصر "ما قبل عصر سرجون" أو "عصر اللبن المستوي المحدب" نظرا للاستعمال المكثف للبن في بناء البيوت لكن الباحثين الألمان سموه ب"عصر لكش" نسبة لمدينة لكش السومرية الشهيرة أما "افرانكورت" فقد سماه ب "عصر السلالات أو فجر السلالات" وهناك من استعمل تسمية "دول المدن". 
 العصر السومري ( عصر فجر السلالات)
 العصر السومري ( عصر فجر السلالات)

يمتد عصر السلالات ما بين 2900 و2350 ق.م ويقسمه علماء الأثار إلى ثلاثة مراحل، المرحلة الأولى فجر السلالات الأول من 2900 إلى 2750 ق.م المرحلة الثانية فجر السلالات الثاني من 2750 إلى 2600 ق.م أما السلالة الثالثة فقد قسمت بدورها إلى فجر السلالات الثالث أ من 2750 إلى 2450  ق.م وفجر  السلالات الثالث ب 2450 حتى 2350 ق.م

 عصر فجر السلالات الأول 2900 – 2750 ق.م

يشبهه الباحثون بالعصر الشبيه بالكتابة ويرى البعض أنه مرحلة انتقالية لحضارة جمدة نصر الذي تحدثنا عنها في موضوع بلاد الرافدين في العصر الحجري الوسيط (عصر الفخار) عثر على اثارها بمنطقة "ديالي" وأشهر معابدها معبد العبدان السادس والسابع للإله سين بخفاجي والمعبد الرابع للإله "أبو" في تل أسمر بديالي لإلهة "أنانا" المعروفة بعشتار في نفر.

عصر فجر السلالات الثاني 2750 – 2600 ق.م

تميز هذا العصر بإنجازات معمارية وتقنية مهمة وبشكل أكثر بمنطقة ديالي وأهم اللقى المكتشفة أختام أسطوانية ذات نقوش تمثل صراع بين الإنسان والحيوان واحتفالات وولائم وتجديف بالقوارب والزواج الإلاهي وأواني حجرية مصنوعة من الحجر الأخضر. بالإضافة للأواني ذات القواعد والاقداح.

 عصر فجر السلالات الثالث 2450 –  2350 ق.م

بلغت حضارة بلاد الرافدين خلال هذا العصر أعلى مراتب الازدهار ويظهر ذلك جليا في كثرة النصوص الكتابية والمنحوتات البشرية المجسمة المشابهة للأسلوب التجريدي أو التمثيل الطبيعي. كما تطورت نقوش الأختام الاسطوانية سواء في عصر السلالات الثالث أ أو ب مثلت السلالة أ بسلالة "أور" التي أسسها "ميسا نبدا" أما السلالة ب فتعود لحكام "لغش"

الوضع السياسي في عصر السلالات (العصر السومري)

شكل أصل السومريين موضوعا للنقاش حيث يرى البعض بأن لغتهم تنحدر من اللغة السامية وأخرون ينسبونها لأصول هيندو أوروبية, كما يرى فريق آخر بأنهم جاؤوا عبر البحر وأنهم  نفس الجنس الذي استوطن مصر في عصر السلالات, فيما يؤكد آخرون بأنهم أصلا من بلاد الرافدين . تقول الكتابات السومرية المكتشفة "أنهم نزلوا من السماء فكانت أوريدو مركز الملوكية حيث حكم في أوريدو الملك "ألولم" مدة 64000 سنة وحكم الملك "اينميلو أنا" مدة 43000 سنة في مدينة "بادتيبيرا" أما مدينة "تموز" فحكمها "ديموزي الراعي" لمدة 36000 عام ثم جاء الطوفان وجرف البلاد وبعد الطوفان هبطت الملوكية مرة ثانية، وحلت في كيش لتصبح مركزا جديدا للملوكية. حكم خلالها 22 ملكا بمعدل 1000 سنة لكل واحد 12 منهم أسماؤهم سامية". وكما ترون تدعي الكتابات السومرية أن ملوكهم قد نزلوا من السماء، وعمروا لأحقاب زمنية طويلة وهذا يضفي عليها طابعا أسطوريا يصعب تصديقه أو الأخذ به من طرف الأثريين.

  جميع اللقى الاثرية تظهر نوعا من التواصل بين الحضارات المتعاقبة كما رأينا في العصر الثورة النوليتية وعصر الفخار أو حتى عصر المعادن الذي سبق عصر السلالات. والشواهد كثيرة على هذا التواصل بين الحضارات. فلا الهندسة ولا مظاهر التطور الاخرى التي عرفها عصر السلالات السومري قطع المراحل السابقة بشكل مستقل بل على العكس من ذلك تابع السومريون الخط العام الذي كان سائدا وأضافوا اليه الكثير لتنتقل الحضارة إلى مستوى أعلى من التطور والنضج شمل كل مرافق الحياة: تطورت العمارة وأصبحت المدن تشكل مراكز اقتصادية وسياسية ودينية حقيقية وازدهرت الفلاحة وشيدت قنوات للري وتطورت التجارة وظهرت لأول مرة دولة المدينة بمفهومها الدقيق. والاكثر من ذلك ظهر ما يمكن أن نسميه ببداية الصراع بين الدول أي الصراع بين المدن المختلفة حيث كانت كل مدينة تحاول أن تبسط نفوذها وتسيطر على المدن الأخرى.

لكن هذا الصراع سيحمل معه تطورا طبيعيا تمثل في ظهور قوة تهدف إلى توحيد المنطقة كلها تحت حكم ونظام واحد. بإمكانه توفير شروط الاستقرار وبالتالي شروط التقدم والازدهار. لقد حصلت خلال هذا العصر محاولات متعددة لتوحيد البلاد سياسيا قام بها بعض الحكام امثال ''ميسلم'' و ''ميسانيبدا'' اللذان أسسا أسرة "أور" الاولى و ''ايوناتم'' الذي حكم دولة لجش. بدأت محاولات التوحيد مع هؤلاء الحكام مع بداية ظهور الملوك الأوائل. كان الحكام الذين ينجحون في بسط نفودهم على مدن أخرى يحملون لقب ملك ''كيش'' و لقب ''الملك''. أصبح مصطلح ''ملك كيش'' في المراحل اللاحقة والذي يعني ''ملك العالم''.

التعاليق

أحدث أقدم