متابعينا الأوفياء أهلا بكم.

أخي القارئ بعد أن تحدثنا في مقالة سابقة عن المرحلة "القبل سقراطية" والتي مثلها كل من طاليس ومجادلات هرقليطس وبارمنيدس ,نأتي اليوم للحديث عن نوعية من الفلاسفة زامنت وجود سقراط ,قيل عنهم الكثير وحدى حدوهم "فرق المتكلمة "من المسلمين في زمن لاحق كالأشاعرة ,إنهم "السفسطائيون".

أسباب ظهور وانتشار الفلسفة السفسطائية
سقراط مع أحد الفلاسفة السقسطائيين

وقبل أن نتعمق أكثر في فكر السفسطائيين ,فلا بد أن نتحدث عن الجو العام السائد آنذاك في اليونان القديمة .حيث نشبت صراعات وحروب بين مدينة أثينا رمز الحضارة والفكر والتقدم ,و "إسبارطة "تلك المدينة الحربية بأتم معنى الكلمة التي اعتاد سكانها التمرس على فنون الحرب ,ومن الأقوال المشهورة في إسبرطة عند خروجهم للحرب " إما أن ترجع مع درعك أو عليه" أي أنك ستقاتل حتى تنتصر أو تموت .

وفعلا انتصرت اسبرطة وانهارت الثقافة اليونانية مما أثار موجة من الشك  وخيبة الأمل لدى الأثينيين وبدأ الحديث عن المسائل العملية الملموسة والابتعاد عن المسائل الجدلية ومناقشة الميتافيزيقا مما تمخض عنه ولادة البرغماتية القديمة ,وفقد الناس الثقة في الدين لأن الآلهة خذلتهم في الحرب ويمكننا هنا أن نؤرخ  لأول ظهور للعلمانية .

فالعلمانية والبرغماتية ليست وليدة عصرنا بل تمتد بجذورها إلى أقدم الحضارات .ومن داخل هذا الفراغ برز مجموعة من المعلمين الجدد كان يدعون ب " السفسطائيين "وتعني هذه الكلمة معلمي الحكمة أو المثقفون ,هذه الموجة الجديدة من الفلاسفة لاقت احتراما وتقديرا واسعا من قبل ساكنة أثينا ,لكن انهيار الحضارة ساهم في إفساد هذه الطبقة المثقفة .ومصدرنا الوحيد عنهم يعود لمحاورات أفلاطون ,وهذا يجعلنا غير قادرين على اصدار حكم قطعي عن السفسطائيين لأن أفلاطون نفسه كان ينظر إليهم نظرة سلبية ,لأننا في النهاية سننظر إليهم من خلال عيني شخص كان ينتقدهم  بشدة وهذا هو عيب المصدر الواحد .

كان هؤلاء المعلمون الجدد يفرضون رسوما على متعلميهم ,متجولين من قرية إلى أخرى ومن مدينة إلى مدينة أخرى ,ويجدر بالذكر أن اختيار الحكام والزعماء وممثلي الشعب  في تلك الحقبة كان يتم بناء على انتخابات شعبية ومن هنا نعلم أن اليونان القديمة هي مهد الديمقراطية الحديثة .

لذا كان هؤلاء المنتخبون يلجؤون للأشخاص الأكثر وضوحا في الكلام والأكثر اقناعا لتحريك مشاعر وعواطف الناس ,مما منح السفسطائيين القدرة على التغلغل في نظام الحكم وهيئة المحلفين وولوج القضاء مما جعلهم ينتهجون أساليب انتهازية وبرغماتية ,فالمهم ليس ما تقوله للناس بل كيف تقدمه للناس لإقناعهم ,فالحقيقة لم تكن تهمهم لأن الاقناع هو هدفهم الأول والأخير, كما تفعل مختلف وسائل الدعاية والإشهار في زمننا الحالي .

ومن هنا انبثقت أول مدرسة للبلاغة وعلم الخطابة ,التي ركزت على قدرة المتكلم على تحريك مشاعر العامة لإقناعهم بأمر ما أو مصلحة شخصية .ومن طرائف السوفوسطائيين أن شخصا كان يدعى "ديمو ستيني" الخطيب الشهير الذي كلن يتمرن على خطبه وهو يملء فمه بالحصى لكي يدرب شفتيه ولسانه على التكلم بأقصى وضوح .
ومن مشاهير هذه الموجة من الفلاسفة نجد بروتاغوراس الذي يعتبر أب الفلسفة الإنسانية باعتماده فلسفة " الإنسان المقياس " والتي تعني بأن الإنسان هو مقياس كل شيء,والذي قال بأننا لا يجب أن نضيع وقتنا في الحديث عن أماكن خيالية وفي التأمل الفلسفي والميتافيزيقا بل يجب أن نركز اهتمامنا على رفاهة البشر  .

ولا ننسى جيورجياس الذي قال بأن الصالح أو الصائب هو ما يدرك الناس أنه يعمل لصالحهم وما يضمن مصالحهم الشخصية ,فإذا فكرنا قليلا نجد أن كل واحد منا يرى المصلحة من وجهة نظره, وهذا اطلق العنان لمفهوم النسبوية أي لا يوجد صالح مطلق أوخطأ مطلق ومن هنا يمكن أن نقول أن جورجياس هو أب الفلسفة الشكوكية .

أصبحت السفسطة مرادفا لتمويه الحقائق لإفحام الخصم أو إسكاته ,مع وجود فساد في المنطق يصرف الذهن عن الحقائق والمعاني الصحيحة وتضليل الخصم عن الوجهة الصحيحة في التفكير . 
   
                                                 تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم
                                                أصل الفلسفة ل د حسن طلب



التعاليق

أحدث أقدم