تنبه الفلاسفة منذ القديم إلى قضية سعي الكائنات الحية بطريقة غريزية إلى تجنب الألم، والبحث عن  اللذة.  فكان الفيلسوف أرستيبوس 436-355 ق.م أول مؤسس لمدرسة اللذة، وأكثر الفلاسفة اللاحقين تطرفا لأنه رأى أن اللذة هي منبع كل خير، والشعور بالألم عنوان لكل شر. وأن سبب تعاسة الانسان هو تفكيره في المستقبل، فهو يعاني في حاضره على أمل أن يسعد في مستقبله، في الوقت الذي كان عليه اقتناص متع ولذائذ الحاضر. 
مذهب المتعة وآلة نوزياك للذة
مذهب المتعة وآلة نوزياك للذة


 مذهب اللذة عند ابيقور

 لكن أشهر فلاسفة اللذة وبدون منازع، يبقى أبيقور Epicurus الذي أسس مدرسة خاصة به عرفت بالأبيقورية. وتهدف فلسفته إلى تمجيد المتعة، كما اعتبر اللذة والألم مقياسا للتفريق بين الخير والشر. فغاية الوجود عند أبيقور هو تجنب الألم والبحث عن المتعة، لأن الموت هو نهاية كل شيء، وأن الوصول إلى السلام يبدأ من اللحظة التي نتوقف فيها عن الخوف. ومن أبرز أقواله " عندما أوجد لا يوجد الموت وعندما يكون الموت لن أكون موجودا". 
لكن ما يميز ابيقور عن ارستيبوس هو، مراعاته لاستمرارية اللذة، وهذا لا يتحقق بالمتع المؤقتة كالأكل مثلا، لانها تنتهي بالاشباع،   كالنشوة وامتلاء البطن. على خلاف المتع العقلية أو الروحية التي لا تعرف سقفا معينا و فى نفس الوقت أعتقد أبيقور بأن اللذة العقلية تسمو على اللذة الجسدية، لانها لذة دائمة وغير مؤقتة، لكن فكرته  الاكثر إثارة للجدل  عن  مذهب المتعة، هى حصول قمة اللذة يتجسد فى هدوء البال، وطمأنينة النفس وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بالحد من الرغبات والاعتدال وعدم الاسراف فى اللذات الجسدية! لأنه اعتقد أن الاعتدال والمتع العقلية قيمة وسيطة للوصول لحياة الرفاهية.

مذهب اللذة عند بنتام

جيريمي بنتام هو فيلسوف انجليزي، اعطى لمذهب المتعة بعدا  آخر. حيث حرره من الأنانية الشخصية، وعممه على المجتمع ككل، حيث قال بأن الخير الأسمى هو الذي يعود على أكبر عدد من الناس باللذة،  وهذا من شأنه أن يجنب المجتمع أسباب الصراع. لأن استحواذ عدد قليل من الافراد على جل المتع  يسبب ألما لعدد اكبر من الناس. بل إن بنتنام ذهب إلى أبعد من ذلك عندما وضع معايير حسابية للذة، شملت شدة المتعة أو الألم، و مدتهما، واليقين من تحققهما، وتأثيرهما الضار أو النافع على المدى البعيد، وعدد المتأثيرين بهما. وهذا كله سيساعدنا في تحديد الخيروالشر في أفعالنا.
 

مذهب اللذة عند استيوارت

أما ستيوا ت ميل فيرى  بأن اللذة تندرج ضمن صنفين "عليا" و "دنيا" فالعليا هي التي تحافظ على  الكرامة الإنسانية أما الدنيا فهي غرائز حيوانية لا تتقيد بالمعايير الأخلاقية ويمكن تلخيص ذلك في مقولته الشهيرة:
من الأفضل أن أكون  إنسانـا غير راض من أن أكون خنزيرا راضيا، ومن الأفضل أن يكون سقراط حزينا، على أن يكون احمقا سعيدا

 آلة نوزياك للمتعة

تجربة روبير نوزياك Robert Nozick، هي تجربة عقلية افترض فيها بأن يتمكن علماء الأعصاب من فهم جميع مناطق ووصلات الدماغ. وبأنهم تمكنوا من اختراع آلة توضع على الرأس، قادرة على محاكاة كل أحاسيس المتعة واللذة الممكنة، حتى أن الذي يضعها على رأسه لا يستطيع أن يفرق بين هذه التجارب الحسية المصطنعة والمشاعر التي تنتابه في الوضعيات الحقيقية. وطرح سؤاله الشهير هل ستفضل وضع الآلة طيلة الوقت واختبار جميع المتع المتاحة من تلذذ بالأكل والنصر...  لأنها ستعطيك الهدف الذي تسعى من أجله وبالتالي ستصبح اللذة هي القيمة الجوهرية النهائية أم ستفضل اختبارها في العالم الحقيقي على اعتبار أنها مجرد قيمة وسيطة ؟؟
افترض نوزياك بأن جل الناس سيختارون معايشة التجارب في الحياة العادية، وقدم أربعة اسباب تدعم افتراضه. السبب الأول أن البشر يفضلون خوض التجارب ثم الاستمتاع بالنتائج لاحقا، ثانيا أن الأفراد يفضلون أن يكونوا بصفات مميزة وسط جموع باقي الناس، ثالثا أن تبقى موصولا بالآلة سيحجم من خبرات ك وتقتصر على برمجة محدودة أما في الحياة فالاحتمالات غير محدودة، اما رابعا فيقول نوزياك بأن البشر مفطورون على ارادة تغيير العالم من حولهم.
 

اجابات العلم الحديث على تجربة نوزياك

 مع تطور علوم الأعصاب Neuroscience بشكل لافت، استطاع العلماء التعرف على مراكز اللذة في الدماغ، وهي مناطق مسؤولة عن الاحساس بالمتعة فى المخ، وكانت أولى التجارب قد اجريت على جردان المختبر حيث قاموا بزرع الكترودElectrode يشغل لا سلكيا بزر  عن بعد،   نستطيع من خلاله تحفيز مركز اللذة الغريزية عند الفأر وضع الجرد في صندوق، وتم تلقينه بأن يضغط زرا داخل الصندوق فيحصل على الطعام والماء أما الزر الثاني فيحفز الالكترود الذي في دماغه  فماذا حصل بعد ذلك ؟؟
 
وجد العلماء بأن الجرد فضل أن يبقى ضاغطا على زر المتعة الغريزية، وتجنب  نهائيا الضغط على زر الأكل والشرب حتى مات من الارهاق والجوع. نلاحظ من خلال هذه التجربة بأن كل شيء جادل من أجله نوزياك لم يتحقق، فالكائن فضل الاستمرار في تجربة المتعة التي حققتها له الآلة حتى الموت. البعض سيجادل بكون دماغ البشر أكثر تعقيدا من الفأر وأن البشر لهم اولويات أخرى تتعدى اللذة.
 هل هذه حقيقة أم أن أدمغتنا المعقدة تحاول ان تبعدنا عن الحقيقة نفسها، الكل يجمع على أن هناك قيمة للمتعة وقيمة للفضيلة لكن أيهما يمتلك الأولوية؟؟ وأيهما لها قيمة جوهرية في حد ذاتها؟؟ اختيارك لواحدة من القيمتين كقيمة نهائية جوهرية لذاتها يكون له تبعيات على كل قرار صغير او كبير  تتخذه فى حياتك. فكن حريصا في اختياراتك.

المصادر كتاب   Robert Nozick Philosophical Explanations
http://en.wikipedia.org/wiki/Robert_Nozick

1 تعليقات

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم