قراء مدونة محيط المعرفة الأكارم، سنخصص بعض المقالات لألقاء الضوء على النظريات الاجتماعية التي تنظم السلطة داخل الجماعات البشرية. فالعقد الاجتماعي مصطلح ظهر منذ فجر التاريخ على لسان أفلاطون وسقراط لكنه لم يتبلور كنظرية اجتماعية علمية إلا بعد انحصار سلطة الكنيسة الكاثوليكية في عصر النهضة مع بداية القرن 17 لتتحرر السلطة السياسية من سطوة اللاهوت.

الإنسان ذئب لأخيه الإنسان
الإنسان ذئب لأخيه الإنسان

استطاع علماء اجتماع على رأسهم توماس هوبز وجون لوك وجون جاك روسو بلورة مجموعة من النظريات غيرت مجرى التاريخ وظهر ذلك جليا في نجاح الثورة الفرنسية سنة  1789م. سنخصص موضوع اليوم للحديث عن توماس هوبز.

من هو توماس هوبز؟

هوبز فيلسوف انجليزي عاش بين(1588-1679)  نال شهرته من خلال اشتغاله في الفلسفة والرياضيات والقانون كما كان له المام واسع بتاريخ الحضارات هذه المواصفات المميزة  جعلت منه فقيها قانونيا. كما كان من أوائل الفلاسفة الذين تحدثوا عن الحق الطبيعي ويعتبر المنظر الأول للفكر الليبرالي الحديث.

مفهوم الحق الطبيعي (الإنسان ذئب لأخيه الإنسان):

الإنسان في الحالة البدائية كان يتمتع بحرية مطلقة، لكنها في نفس الوقت محفوفة بالمخاطر لأن الحرية المطلقة تفرض عليه الدخول في صراع مع أخيه الإنسان، والدافع الأساسي لهذا الصراع هو تلبية الرغبات وإشباعها فليس هناك مكان لمصطلحات كالعدل والظلم يقول هوبز في كتابه "إن الحق الطبيعي أو العدل الطبيعي naturel justice هو حرية كل فرد في العمل بكامل قوته، وكما يحلو له، من أجل الحفاظ على نفسه وممتلكاته ، وبالتالي القيام بكل ما يبدو له، حسب تقديره الخاص وعقله الخاص، أنه أنسب وسيلة لتحقيق أهدافه حيث يمكنه وضع اليد على أي شيء يجده أمامه، فليست هناك ملكيات خاصة، الجميع يملك كل شيء ولا أحد يملك أي شيئاً إنها حرب الكل ضد الكل"ويمكن تلخيص ما قاله هوبز بعبارة"الإنسان ذئب لأخيه الإنسان".

العقد الاجتماعي عند هوبز:

توصل هوبز أن عيش الإنسان في البيئة البدائية وفق مبدأ الحق الطبيعي، سيجعل حياة الأفراد قاسية ووحشية  وقصيرة لأن الكل سيخاف من الكل، لأن القوة هي التي تحكم وليست الأخلاق والفضيلة.
يرى هوبز أن الحل يكمن في وجود سلطة أو حكومة قادرة على فرض النظام والعدل والزام الأفراد باحترام مقتضيات العقد الاجتماعي، أي أن يتفقوا على التنازل عن حريتهم المطلقة  للحاكم أو السلطة، شريطة أن يكون التنازل مطلقاً لا رجعة فيه.
 وأن تكون للسلطة مطلق الصلاحيات في تسيير كل شيء، وهي تسطر القوانين. أي أن الأمن يرتكز على وجود سلطة قادرة على تنفيذ العقوبات. لأن الدافع الأساسي الذي يجبر الناس على احترام حقوق الجماعة هو الخوف من العقاب.

 يرى هوبز أن الناس مرغمة على التنازل عن كافة حقوقها مقابل استتباب الأمن والسلام وهذا ليس بالأمر البسيط فلولا سلطة قوة الحاكم القوي، لاستطاع أي شخص يمتلك القوة اللازمة القتل والسرقة كما يحلو له من غير رادع. لذا يطالب هوبز بقيام سلطة مطلقة قوية قادرة على القضاء على الفوضى، وتعود تسمية كتابه "الليفاتيان" إلى وحش بحري اسطوري يشبه التنين يحمي الأسماك الصغيرة من الأخرى الكبيرة، وهي كناية عن ضرورة حماية السلطة القوية للأفراد المستضعفين من بطش الأقوياء.

                   كتاب توماس هوبز  الشهير "ليفياتان" (Léviathan)

التعاليق

أحدث أقدم