قال سكينر "إنه من الطبيعي أن نحاول حل مشاكل العالم من خلال التقدم العلمي والتكنولوجي .فقد أكد أنه لن يتم التوصل لحلول حقيقية ما لم يتغير سلوك البشر .إن وجود قوانين لا يعني أن الناس ستطبقها ,فلا يكفي أن نحسن علاقة الناس بالتكنولوجيا ,أو حتى أن نجعلهم يألفونها ,فما يحتاج إليه الناس فعلا هو تكنولوجيا السلوك .
Frederic Skinner

لقد لاحظ سكينر مدى ضعف التقدم الذي تحقق في علم النفس مقارنة بالتقدم الذي شهده علم الفيزياء والأحياء .في اليونان القديمة لم تكن معرفة الناس لما يحركهم ويدفعهم أقل من معرفتهم لما يحرك الكون بالكامل .أما الآن فإن المعارف في العلوم الطبيعية قد سبقت المعرفة بالإنسان بمراحل هائلة .

يعتقد سكينر أن علم النفس كان يبحث عن مسببات سلوك البشر في الاتجاه الخطأ ,يقول أننا تحررنا من أوهام أن الناس تتملكهم الشياطين أو الأرواح الشريرة ,ومع ذلك فلا يزال علم النفس يستند إلى رؤية أن سلوكياتنا تحددها "عوامل داخلية ",حيث قال فرويد مثلا إن سلوكيات الفرد لا يحددها عامل واحد ,بل ثلاثة عوامل (الأنا-الهو-الأنا الأعلى) ,وقد كان الكيميائيون في العصور الوسطى ينسبون لكل شيء "جوهر" غامض من نوع ما يشكل سلوكياته ,ونحن الآن نعتقد بوجود شيء اسمه "الطبيعة الإنسانية" يقال هو ما يحركنا .

وكانت نتائج ذلك أن أصبحنا نظن أن مشاكل العالم تتلخص في التوجهات الإنسانية الداخلية ,مثل التغلب على الكبرياء ,أو تقليل الرغبة في السلطة أو العدوان ,أو زيادة احترام الذات ,أو إيجاد شعور بالهدف في الحياة ...
أما "سكينر" فكان يرى أن التصورات عن البشر غير علمية .قال سكينر إننا لوسألنا أحدهم عن سبب ذهابه للمسرح ,فسيقول :"لأنني أحب المسرح ",فنقبل إجابته كتفسير ,والأحرى أن نعرف ما الذي جعله يذهب إلى المسرح في الماضي ,ما الذي سمعه أو قرأه عن المسرحية .إننا نعتبر الناس مراكز يخرج منها السلوك ,في حين أن الأكثر دقة أن نعتبر الناس المنتج النهائي لتأثير العالم عليهم ,وردود أفعالهم ما هي إلا استجابة تجاه العالم .

إننا لسنا بحاجة لمعرفة حالة المرء العقلية ,أو مشاعره ,أو شخصيته ,أو ما يخطط له ,أو هدفه حتى ندرس سلوكه .يقول سكينر إننا إذا أردنا معرفة سبب تصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها فإن كل ما نحتاج لمعرفته هو الظروف التي جعلتهم يتصرفون بهذه الطريقة .

إن البيئة ليست مجرد ساحة تظهر عليها سلوكياتنا الناتجة عن إرادتنا المستقلة ,بل هي تشكل هويتنا وشخصياتنا .إننا نغير سلوكياتنا وفقا لما نعرف أنه مفيد لنا أو لبقائنا ,لدينا اعتقاد داخلي بأننا أحرار ,ولكن في الحقيقة أن البيئة هي من تملي علينا نمط استجابتنا .

ولكي ألخص ما جاءت به المدرسة السلوكية في معادلة بسيطة ,وهي أن الإنسان قد شكل مجتمعه ,بحيث يتضمن صورا مختلفة من تحكم  البعض في البعض الآخر ,وأن هذا التحكم يقوم على النفور والبواعث بدرجة أكبر من قيامه على القوة الواضحة ,إن معظم  هذه الصور الدقيقة في التحكم والسيطرة تجعل الناس مستعدين للخضوع لها ,لأنها في النهاية تخدم أهدافهم الاجتماعية والاقتصادية ,وعلى سبيل المثال ,فإن الملايين يكرهون وظائفهم ,ومع ذلك لا يتركونها بسبب آثار تركهم العمل ,إن هؤلاء  يتحكم يتحكم فيهم النفور وليس القوة وفي كلتا الحالتين فإنهم خاضعون للتحكم ,ألن يكون من الأفضل أن نعترف بأننا لسنا أحرارا ومستقلين كما نحب أن نعتقد .

إننا إذا أخذنا بعين الاعتبار القوة التشكيلية الهائلة للبيئة ,فسيكون من الأفضل أن نستخدم الموارد البيئية حتى نصمم بيئات أفضل ,لا بشرا أفضل .إننا لا نستطيع تغيير العقول ,وكل ما نستطيع تغييره هو البيئة التي ستجعل الشخص يتصرف بصورة مختلفة .تجدرالإشارة عن سكينر كان له دور كبير في تغيير النظم التعليمية في أمريكا حينما أطلق رفقة واطسون بيداغوجيا الأهداف المبنية على التعزيزوالعقاب .
                              سكينر كتاب "ما وراء الحرية والكرامة"

التعاليق

أحدث أقدم