إذا وجدت امرئ راضيا على نفسه فافقد منه الأمل، لأنه ينطوي على ركام من العيوب والنقائص وهو لا يلتمس الخلاص منها، بل إنه فاقد الشعور بوضاعتها، وهيهات لمثل هذا اكتمال أو نجاة.

والعلم النظري لا يرفع قدر أصحابه، فأي قيمة لشخص يختزن في رأسه قدرا من المعلومات، ولكن نفسه طافحة بآثام لم تعالج، وخشونة لم تهذب، ثم هو مع ما يختزنه من معرفة لا يدري أنه عليل. مثل هؤلاء يكون علمهم آفة، لأنه يقوي جهالتهم ولا يزيلها، ويغرهم بما أوتوا بدلا من أن يزيل من أنفسهم ما يسوءها.

وقفة مع النفس
وقفة مع النفس
وأفضل من هؤلاء رجل قليل المعرفة عميق الإخلاص كثير التفتيش عن عيوبه، مجتهد في تزكية نفسه وترقية أحواله، وإن هذا أرجى عاقبة وأرقى مرتبة من العلماء الكبار إذا رضوا عن أنفسهم، وغفلوا عن إصلاحها.
إن الاغترار بالعمل رذيلة تسقط قيمة العمل، ولو أن أحدا رجى من الله تعالى أن يقربه إليه، وأن يجزل له المثوبة، ناظرا في ذلك إلى ما بدل من جهد ما استحق عند الله طائلا.

والواجب ان يتقدم الإنسان إلى الله وهو شاعر بتقصيره، موقن أن حق الله عليه أربى من أن يوفي ذرة منه، وأنه إذا لم يتغمده الله سبحانه برحمته هلك. وهبك الحياة دون أن تطلب وسخر لك أبواك وأنت عاجز وأطعمك وسقاك وأنت مذنب. وانظر إلى سلسلة الأعمال التي تؤديها خلال محياك على وجه الأرض، كم يكتنفها من علل النفس وآفات التقصير؟!
أنها لو كانت أعمال غيرك فعرضت عليك أنت ما قبلتها، إن المؤمن يعمل، ولكنه لا يتطاول بعمله أبدا. قال رسول الله (ص):

خرج من عندي خليلي جبريل آنفا فقال يا محمد والذي بعثك بالحق إن لله عبدا من عباده عبد الله خمسمائة سنة على رأس جبل في البحر عرضه وطوله ثلاثون ذراعا في ثلاثين ذراعا والبحر محيط به أربعة آلاف فرسخ من كل ناحية وأخرج له عينا عذبة بعرض الأصبع تفيض بماء عذب فيستنقع في أسفل الجبل وشجرة رمان تخرج له في كل ليلة رمانة يتعبد يومه فإذا أمسى نزل فأصاب من الوضوء وأخذ تلك الرمانة فأكلها ثم قام لصلاته فسأل ربه عند وقت الأجل أن يقبضه ساجدا وأن لا يجعل للأرض ولا لشيء يفسده عليه سبيلا حتى يبعثه الله وهو ساجد قال ففعل فنحن نمر عليه إذا هبطنا وإذا عرجنا فنجد له في العلم أنه يبعث يوم القيامة فيوقف بين يدي الله فيقول له الرب أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول رب بل بعملي فيقول أدخلوا عبدي الجنة برحمتي فيقول رب بل بعملي فيقول الله قايسوا عبدي بنعمتي عليه وبعمله فتوجد نعمة البصر قد أحاطت بعبادة خمسمائة سنة وبقيت نعمة الجسد فضلا عليه فيقول أدخلوا عبدي النار فيجر إلى النار فينادي رب برحمتك أدخلني الجنة فيقول ردوه فيوقف بين يديه فيقول يا عبدي من خلقك ولم تك شيئا فيقول أنت يا رب فيقول من قواك لعبادة خمسمائة سنة فيقول أنت يا رب فيقول من أنزلك في جبل وسط اللجة وأخرج لك الماء العذب من الماء المالح وأخرج لك كل ليلة رمانة وإنما تخرج مرة في السنة وسألته أن يقبضك ساجدا ففعل فيقول أنت يا رب قال فذلك برحمتي وبرحمتي أدخلك الجنة أدخلوا عبدي الجنة فنعم العبد كنت يا عبدي فأدخله الله الجنة قال جبريل إنما الأشياء برحمة الله يا محمد ) رواه الحاكم عن سليمان بن هرم عن محمد بن المنكدر عن جابر وقال صحيح الإسناد
أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله وإلى موضوع آخر إنشاء الله.

التعاليق

أحدث أقدم