ظلت فكرة إعادة توحيد الإمبراطورية بشقيها الشرقي والغربي تراود عقول أباطرة بيزنطة ففي هذا السبيل قام الامبراطور جستنيان (527-565 م) باستعادة الأراضي التي سيطر عليها الجرمان وقد نجح في استعادة ولاية افريقيا من الوندال، كما استعاد إيطاليا من القوط الشرقيين، وقضى على ملك القوط الغربيين في اسبانيا، واقتطع جزء الجنوبي الشرقي من مملكتهم وضمه إلى بيزنطة، وقد دفعت هذه المحاولات إلى الاعتقاد ببعث الإمبراطورية الرومانية ثانية إلى الوجود.
بينما يرى البعض بأن الانفصال السياسي كان أعمق بين الجانبين، لأن الانفصال كان قد كرس اختلافات حقيقية دينيا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا، ولذا فإن الملاحظ أنه ما إن مات جستنيان حتى تهاوت دولته ثانية فتقلصت حدودها الشرقية في آسيا الصغرى والبلقان كما استولى اللمبارديون على إيطاليا سنة 568 م.
الحضارة الرومانية 12: انهيار الإمبراطورية الرومانية
سقوط روما

أسباب سقوط الإمبراطورية الغربية

مع نهاية القرن الرابع و بداية الخامس الميلادي، انطلقت قبائل الهون من شرق أسيا، مشيعة الهلع والفوضى في اسيا وأروبا مما تسبب في دفع القبائل الجرمانية إلى الولوج إلى مناطق الإمبراطورية الرومانية الغربية حوالي 370م  ، التي كانت قد انتقلت قبل قرون من إسكندنافيا لتستقر على الحدود الشمالية للإمبراطورية الرومانية.

وأجبرت هذه القبائل الجرمانية على ترك وطنها والتوجه إلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط. فكانت تارة تسكن فيها بسلام، وتارة أخرى تهاجم المدن الرومانية، و تارة تقدم خدماتها التجارية لحماية المدن الرومانية من هجمات الغزاة البربريين الآخرين. كان القوط الغربيون إحدى أولى المجموعات الواصلة، مكتسحة بذلك البلقان بعد أن هزمت جيشاً رومانياً ضخماً في معركة أدرنة عام 378 م، لتهاجر بعدها إلى إيطاليا وتقتحم روما نفسها عام 410 م، قبل أن تقوم أخيراً بتأسيس مملكة لها في منطقة أكيتانيا.
وتبعتها بعد فترة قصيرة قبائل جرمانية أخرى، كقبائل الوندال التي اكتسحت أوروبا الغربية وتوجهت من هناك إلى أفريقيا، حيث احتلت قرطاج، وقامت بتأسيس مملكة فيها. لم يبد الغزاة الجرمانيون أي تردد، حيث قامت قبائل أنجل والسكسون بغزو إنجلترا، مجبرة بذلك روما على ترك الجزيرة عام 410 م. أما قبائل الفرنجة، فتمكنت من السيطرة على كامل بلاد الغال. و احتل القوط الشرقيون إيطاليا. مع حلول العام 568 م لم يعد للإمبراطورية الرومانية الغربية وجود. حيث تم استبدالها بعدد من الممالك الجرماني . بينما كانت الإمبراطورية الرومانية الشرقية لا تزال متماسكة.

انهيار الامبراطورية الشرقية( بيزنطة)

كل هذا دفع كلا من الشرق البيزنطي والغرب اللاتيني الجرماني إلى السير كل في طريق مغاير للآخر. فلم يعد الشرق يتطلع إلى إحياء الدولة الرومانية القديمة فترك الأباطرة اللاحقون الغرب وشأنه وانصرفوا لمعالجة أوضاع حكمهم في جزئهم الشرقي، واستمر الجفاء والتباعد بين الغرب وبيزنطة.

وبلغ الشقاق ذروته بين الجانبين عندما قام ليو الثالث الأبسوري 717-741م بتبني سياسة اللاايقونية، فقاومت البابوية هذه السياسة، وأصدر البابا جريجوري الثاني 715-731م قرارا بحرمان الامبراطور بينما رد الامبراطور بحرمان الكنيسة من حقوقها وأملاكها في صقلية وجنوب إيطاليا وفصل عنها جميع كراسي الأسقفية.

وهكذا نجد كلما تقدم الزمن تزداد الهوة اتساعا بين الجانبين، حتى نصل إلى القرن التاسع الميلادي وفي سنة 800 م بالذات حين توج البابا ليو الثالث 795-816م شارلومان امبراطورا مقدسا، فكان هذا نهاية لكل الآمال والأحلام التي كانت ترجو توحيد الإمبراطورية الرومانية القديمة الواحدة الموحدة، وتأكد هذا مرة ثانية عندما توج ملوك المانيا أباطرة مقدسين بعد نهاية امبراطورية شرلمان، وقد ترتب على احياء الإمبراطورية الغربية، قيام حالة من التنافس بين الامبراطوريتين الغربية والشرقية، أدت إلى الانفصال التام بين القسمين رغم المحاولات الواهنة لإعادة اللحمة بين الشقين والتي قامت بها ايرين 797-802 م ومن ثم ميخائيل الأول 811-813م.
 
وهكذا نجد أن الإمبراطورية البيزنطية قد نشأت نتيجة الانفصال السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي بين شقي الإمبراطورية الرومانية، منذ القرن الرابع الميلادي إلى حين سقوط القسطنطينيَة عاصمة الإمبراطوريَة البيزنطيَة ، في يد  الدولة العثمانيَة، بعد حصارٍ دام عدَّة أسابيع، قاده السلطان محمد الفاتح، ضدَ حلفٍ مُكون من البيزنطيين والبنادقة والجنويين بقيادة قيصر الروم الإمبراطور قسطنطين  الحادي عشر. سنة 1453م ، حينما انهارت دفاعات الروم ووقعت المدينة لقمة سائغة بيد العثمانيين.وهكذا تنتهي قصة امبراطورية الدماء لكنها خلفت إرثا سيجعل أروروبا تنهض من جديد لتتحكم في مصائر الشعوب من جديد.


التعاليق

أحدث أقدم