نجدد الترحاب بمتصفحي مدونة محيط المعرفة الاوفياء، لقد أدرجنا في موضوعين سالفين نظريتا العقد الاجتماعي لكل من هوبز وجون لوك. الأول الذي رأى بأن الإنسان في الحالة الأصلية أو الطبيعية قبل نشأة الدولة وسيطرة القوانين كان يعيش حياة قاسية وقصيرة ومحفوفة بالمخاطر بسبب النزاع بين الأفراد وعبر عن ذلك بقولته الشهيرة "حرب الكل ضد الكل والإنسان ذئب لأخيه الإنسان " هذه النظرة القاتمة لحياة الإنسان في المرحلة الطبيعية جعلت هوبز يرى أن الحل يكمن في وجوب تنازل الشعب عن جميع حقوقه للحاكم تنازلا لا رجعة فيه في مقابل أن يعيش بسلام.
العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو
العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو

في حين رأى جون لوك أن الإنسان في الحالة الأصلية رغم عدم خضوعه للقوانين إلا أنه كان يتصرف على أسس أخلاقية يغلب عليها طابع الحرية والمساواة وحسن النية والمعونة المتبادلة. لأن الإنسان تحكمه طبيعة خيرة ولا يلجآ للعنف إلا إذا صودرت حرياته من قبل الحاكم وللشعب كامل الحرية في تنحيته أو الانقلاب عليه إذا دعت الضرورة.

جان جاك روسو

جان جاك روسو كاتب وأديب وفيلسوف وعالم نبات من أصل فرنسي عاش في الفترة ما بين (1712-1778) ويعتبر من أكثر الفلاسفة تأثيرا على الحياة السياسية حيث كان السبب الرئيس في نشوب الثورة الفرنسية.

العقد الاجتماعي عند جان جاك روسو :

انطلق روسو من فكرة أن الإنسان كائن فرداني غير اجتماعي، كان يعيش حياة هادئة ومسالمة في الحالة الطبيعية كما كان قادرا على أن يكفي نفسه بنفسه فكل ما كان ينغص حياته هو الخوف من الألم والجوع وكل ما يحركه هو الغذاء والجنس.

ونجد هذا واضحا في مقولته الشهيرة "إن همه الوحيد تقريباً هو أن يحفظ ذاته ويكون قلبه في حالة سلام وجسده بصحة جيدة  ".فالإنسان الطبيعي عند روسو لا يحتاج لمن يساعده كما ادعى جون لوك وليسا وحشا كاسرا يتلذذ بإيذاء الأخرين كما زعم هوبز.
يرى روسو أن انصهار الأفراد في مجتمع وتطور الاقتصاد والمبتكرات ساهم في تنامي الملكية الخاصة، التي بدورها أنشأت أمراض اجتماعية داخل النفس البشرية من جملتها التنافس والجشع مما ساهم في تكريس الفروق الطبقية التي قضت على طهارة الإنسان. هذا الوضع الجديد دفع بالإقطاع ورؤوس الأموال إلى إنشاء قوانين في إطار حكومة شرعية تحمي مصالحهم وتضمن لهم السيطرة الدائمة على الطبقة الكادحة. هذا التحليل الذي قدمه روسو أظهر أن الحروب والصراعات والأنانية المفرطة ما هي إلا نتاج ظهور المجتمع المدني وطغيان الحداثة فالتطور الذي شهدته البشرية هو سبب نكستها.

لأن الحياة الاجتماعية حالة دخيلة على الطبيعة البشرية فجرت فيه مكامن الشر وأن الدولة شر أوجده الازدهار الاقتصادي، ويرى روسو أن الحل يكمن في سيادة الإرادة العامة حيث يتفق الجميع على الحياة المشتركة داخل المجتمع فالكل يجب أن يتنازل عن حقوقه للمجتمع من دون استثناء وعلى الأقلية أن تخضع لإرادة الأغلبية ويصف روسو الإرادة العامة هي حين يتجرد الإنسان من أنانيته وأهوائه الشخصية من أجل الصالح العام ليجسد الكائن الأخلاقي فللمواطن العادي الحق في الحفاظ على جزء من سيادته فلا تكون القوانين صحيحة إلا إذا تمخضت عن الأغلبية .

يبدو أن الثورة الفرنسية قد اقتبست الكثير من أفكار روسو وطبقتها على أرض الواقع ويظهر ذلك بجلاء في المذهب الاشتراكي الذي كرس الحقوق الفردية للشعب الفرنسي واستطاع تقليص الفوارق الطبقية وقضى على النخبوية و جعل الكل يحتكم للإرادة العامة للشعب. 

                                                   جان جاك روسو،العقد الاجتماعي
                                                  جاكلين روس، مغامرة الفكر الأوربي

التعاليق

أحدث أقدم