قراء مدونة محيط المعرفة، الأوفياء يطيب لي في هذا الموضوع أن أسترسل معكم في الحديث عن فلاسفة العقد الاجتماعي، فبعد أن تعرفنا على توماس هوبز، الذي وصف الحالة الطبيعية التي كان عليها الإنسان قبل تمدنه، بكونها حياة قاسية وقصيرة ووحشية وبأن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان فليس هناك ملكية خاصة، الجميع يملك كل شيء ولا أحد يملك أي شيئاً إنها حرب الكل ضد الكل، وهذه الحالة البدائية الوحشية والفوضوية أيضا استلزمت حسب هوبز وجود نظام وسلطة قادرة على فرض النظام في مقابل أن يتنازل الشعب عن كامل حريته للحاكم تنازلا لا رجعة فيه لأن الإنسان شرير بطبعه ويجب ردعه. سنتعرف اليوم على شخصية أخرى مرموقة تحدثت عن طبيعة العقد الاجتماعي وخصائصه بطريقة مختلفة.
العقد الإجتماعي عند جون لوك John Locke فيلسوف المقاومة
المقاومة

جون لوك  1632-1704م

مفكر وفيلسوف وطبيب إنجليزي عمل مستشارا لدى الملك وليام الثالث في إنكلترا في عام 1667 تولى منصب وزير العدل وكان له دور محوري في الأحداث السياسية التي عصفت في بريطانيا ما بين سنة 1660 وسنة 1680. جعلته يفر إلى هولاندا بسبب مقالتان كتبهما عن الحكومة أنداك وكذلك لعلاقته الوثيقة للورد أشلي الذي كان معارضا للعائلة الملكية ومن أعظم مقولاته "الأفكار الجديدة هي موضع شك دائماً وتتم مقاومتها غالباً لسبب أنها لم تصبح شائعة بعد".

العقد الاجتماعي عند جون لوك

استخدم جون لوك نفس نهج وأسلوب هوبز، إلا أنه خالفه في توصيف الحالة الطبيعية، لأنه يعتقد أن الإنسان في الحالة الطبيعية رغم عدم خضوعه للقوانين بعد إلا أنه يتصرف على أسس أخلاقية يغلب عليها طابع الحرية والمساواة وحسن النية والمعونة المتبادلة. وليست حياة وحشية من دون رحمة كما اعتقد هوبز فالإنسان بطبعه يفضل تجنب التناحر، فلوك يرى بأن كل شخص يمتلك في الحالة الأصلية نوعين من السلطة: سلطة تمكنه من فعل ما يراه  ضروريًا لبقائه ولبقاء الآخرين، وسلطة معاقبة كل من يخالف القانون الطبيعي.

فالعقد الاجتماعي عند حون لوك يجب أن يكون ملزم للشعب والحاكم على حد سواء، فالشعب يجب أن يتنازل عن جزء من حرياته وحقوقه في مقابل تمتعه بباقي الحريات والحقوق، والحاكم ملزم بضمان هذه الحقوق لأفراد شعبه ولا يتنازل الناس في العقد الاجتماعي عن كل ما لديهم من حقوق طبيعية، بل يتنازلون فقط عن القدر اللازم لكفالة الصالح العام.

فإذا ظهر استبداد الحاكم ألغي العقد وأصبح بإمكان الشعب مقاومته، ويعتقد لـوك أن ثورة الشعب لا تؤدي حتما إلى إشاعة الفوضى كما يزعم باقي الفلاسفة، فالفوضى ليست فطرية في الإنسان، بل في معظم الأوقات يجنح الشعب إلى الشكوى للتعبير عن الظلم الذي يطاله وعندما تتقطع به السبل ويتأكد لديه أنه لا أمل في رجوع الحاكم عن غيه يكون آخر خطوة بالنسبة له هي الثورة ومقاومة الظلم وحينها لا يحق لأحد أن يلومه.

 إن جون لوك هو أول من قال بفصل السلطات التي نعرفها اليوم بتقسيماتها (التنفيذية – التشريعية – القضائية). وكذلك كان للوك الدور الأبرز في فكرة الحكومة البرلمانية فيما بعد. أي أن تأثير هذا المفكر مستمر إلى يومنا هذا الفكرة المهمة التي أتى بها لوك بأن الذين يضعون القانون يختلفون عن وظيفة أولئك الذين ينفذونه، لأنهم قد يستثنون أنفسهم من إطاعة القانون أو قد يهيئون قانون يتناسب مع رغباتهم فمن المهم ألا تكون السلطتين التشريعية و التنفيذية بالأيدي نفسها، لضمان الحرية.. 

هذه النظرية تعكس بجلاء نضج فكر لـوك السياسي ورقيه في اتجاه ترسيخ مبادئ الحقوق والحريات مقارنة بغيره من فلاسفة العقد الاجتماعي. إن اللجوء إلى الحق في مقاومة الطغيان السياسي نتيجة مباشرة للإخلال الحاكم بمسؤولياته يجعلنا نحسب أن هاتين الفكرتين؛ المسؤولية والمقاومة، تشكلان المفتاح الأساسي لفهم نظرية لـوك في العقد الاجتماعي، وأن الانتقال من حالة الطبيعة إلى الحالة المدنية السياسية جرى بشكل سليم، وحقق نتائجه التي من أجلها تم اللجوء إليه. وبذلك يكون لـوك قد استحق لقب فيلسوف المقاومة بامتياز.

جون لوك، الحكومة المدنية، ترجمة محمود الكيال.
جون لوك، رسالة في التسامح، ترجمة منى أبو سنه.

التعاليق

أحدث أقدم