زوارنا الكرام تحية طيبة، كلنا ننعم بهبة الحياة ونعيشها لحظة بلحظة، ولكن هل ندرك فعلا معنى الحياة؟ هل نعلم يقينا كيف بدأت؟
تتعدد النظريات والرؤى والخلفيات الدينية والعلمية  وهذا الاختلاف طبعا يقودنا إلى تفسيرات مختلفة، سأطرح عليكم اليوم بعضا من أهم النظريات الرائجة المهتمة بنشأة الحياة وسأحاول أن أرصد مكامن القوة ومواطن الضعف في هذه النظريات.

كيف بدأت الحياة ؟!
كيف بدأت الحياة ؟!

النظرية الفيزيائية 

اقترح "شرودنكر" وهو أحد رواد ميكانيكا الكم,أن الحياة صفة معرفة للأنظمة الحية حيث أنها تتجمع ذاتيا مخالفة بذلك نزوع الطبيعة إلى الفوضى، أو ما يصطلح على تسميته الأنتروبية entopy, البروفيسور هوو من جامعة سيدني يشير إلى أن اتجاه الزمن يقرره اتجاه تزايد اللانظام. مثلا عند خلط الحليب الدافئ مع القهوة الباردة نحصل على خليط بني ودافئ بشكل عفوي. إعادة المكونات الى نظامهم السابق لايتم بنفس الشكل العفوي، مهما استمرينا بالمحاولة. اي أن العفوية هي الاتجاه الطبيعي، وهي تسير باتجاه من النظام الى الفوضى. من هنا نتساءل كيف يمكن لنظام يسير نحو الفوضى أن ينتج حياة أساسها النظام المحكم؟

النظرية الكيميائية

إن التعريف الذي صاغه الكيميائي جويس الذي تبنته وكالة الفضاء ناسا هو أن الحياة هي نظام كيميائي قادر على الاستمرار ذاتيا وعلى التطور وفقا للتطور الدارويني Darwinian. الدارونيّين الجدد حاولوا أن يقدموا برهانًا على وجود طفرة مفيدة من خلال القيام بآلاف التجارب على الطفرات.. ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل الذريع! كما حاولوا أيضًا إثبات أن الكائنات الحيَّة الأولى قد نشأت عن طريق الصدفة وتحت ظروف أرضية بدائية وفقًا لفريضة النظرية، ولكن نفس الفشل صاحب هذه التجارب أيضًا، وكان الفشل حليف كل تجربة تسعى إلى إثبات أن الحياة يمكن أن تنشأ بالصدفة، وأثبت حساب الاحتمالات أنه لا يمكن حتى لبروتين واحد (وهو الوحدة الأساسية للحياة) أن يتكون عن طريق الصدفة. أما بالنسبة للخلية.. فإنه من غير الممكن تركيبها حتى في أكثر المختبرات تطورًا في القرن العشرين. وقد مُنيت النظرية الداروينية الجديدة بالهزيمة من قِبل سجل الحفريات أيضًا إذ لم يُعثَر قط في أي بقعة في العالم على أي من الأشكال الانتقالية، التي من المفترض أن تُظهر التطوُّر التدريجي للكائنات الحيَّة من الأنواع البدائية إلى الأنواع المتقدمة حسبما تزعم نظرية الدارونيين الجدد. وفي نفس الوقت كشف التشريح المقارن أن الأنواع التي يُفترض أنها تطوَّرت بعضها من بعض تتسم - في الواقع - سمات تشريحيَّة مختلفة تمامًا أو أنها من غير الممكن أبدًا أن تكون أسلافًا أو خلفاء لبعضها البعض. ولكن الداروينية الجديدة لم تكن نظرية علمية أبدًا، بل كانت مبدأ أيديولوجيًا (إن لم تكن نوعًا من الديانة!) ولهذا السبب ظل أنصار نظرية التطوُّر يدافعون عنها على الرغم من كل الأدلة المناقضة.

النظرية السيبرانية

إن التعريف الذي صاغه كورزينيوسكي ينص على أن الحياة هي شبكة من آليات التغدية الراجعة Feedback Mechanisms,ويمكن شرح التغذية الراجعة بكونها مجموعة معلومات يتلقاها الفرد عن أدائه ونتائجه بحيث توضح له الأخطاء التي وقع فيها، ومقدار تقدمه ومقدار ما تعلمه ومدى ملاءمة أدائه للهدف الذي ينبغي الوصول إليه .إدن ترتكز التغدية الراجعة على الإحساس بالأخطاء والقيام بعملية التصحيح وإذا أردنا أن نسند هذا المبدأ للطبيعة فإننا نصبغ عليها ملكة الوعي وهذا يتنافى مع منطق العلماء الذين يعتبرون الحياة بلا وعي ولا بلا هدف.

نظرية البانسبيرميا ( Panspermia)

نظرا إلى أن عدد قليلا من مئات السنين تفصل تشكل الأرض عن ظهور أول أشكال الحياة، فقد اقترح بعض العلماء أن المتعضيات الأولى على سطح الأرض قد كانت زائرة أتت من عوالم أخرى. وهي نظرية تقول بان بذور الحياة موجودة ومنتشرة في جميع أرجاء الكون، وتنتقل من خلال النيازك والكويكبات، وهي تفترض ان هذه الاشكال من الحياة يمكنها تحمل الظروف القاسية في الفضاء، كمثال بعض انواع البكتيريا، حيث تلتصق هذه البكتيريا في الحطام الذي ينتشر في الفضاء بعد الاصطدام بين الكواكب التي تحوي الحياة، لكن يبرز هنا تساؤل: ان كانت الحياة أصلها من خارج الارض، فكيف نشأت هذه الحياة خارج الأرض؟!

نظرية الخلق  creationism

هو المعتقد المشترك بين جميع الديانات الإبراهيمية بأن الإنسان والحياة والأرض والكون أيضا نشأ نتيجة تدخل وإبداع رباني إلهي من قبل الخالق. هذا التدخل الإلهي يمكن ان يكون خلقا مباشرا من عدم (ex nihilo) أو انبثاق للنظام والترتيب من شواش بدائي (demiurge) كما تنص بعض الأساطير اليونانية. يعتبر معظم المؤمنون في الديانات السماوية أن نظرية الخلق لا تتعارض مع الحقائق العلمية. إن أكثر المفاهيم أهميةً هو الاعتقاد بأنه لا يوجد شيء يحدث عشوائياً، وإنما تحدث بإرادة الله. ولذلك أصبحت أفكار ال ترتكز فكرة التصميم الذكي على مفاهيم أساسية وهي التعقيدات المتخصصة والتعقيدات غير القابلة للاختزال والتي تدعي بأن هناك أنظمة بيولوجية معقدة بشكل معين بحيث لا يمكن تكونها عبر طرق طبيعية عشوائية، وهناك أيضا مفهوم التوافق الدقيق للكون الذي يدعي بأن الكون قد صُقل بعناية ليسمح بظهور الحياة على الأرض.

نظرية التصميم الذكي

أثار التصميم الذكي جدلا حول إدخاله إلى التعليم المدرسي، إضافة لجذبه عدداً من العلماء والفلاسفة منهم الفيلسوف الشهير أنطوني فلو الذي أعلن تأييده للتصميم الذكي وأن هناك مصمماً ذكياً يقف خلف التطور، ورجوعه عن الإلحاد والداروينية. وهذا يمكن اعتباره اعترافا ضمنيا بوجود ذات صانعة وموجدة للحياة.

خلاصة: ادعاؤهم معرفة كيفية نشأة الأحياء على الأرض يرده قوله تعالى:
(ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم) [الكهف: 51]. 
 ولقد أخبرنا الله سبحانه أنه خلق الإنسان خلقاً مستقلاً مكتملاً، وقد أخبر ملائكته بشأن خلقه قبل أن يوجده فقال:
(وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) [البقرة: 30].
وحدثنا عن المادة التي خلقه منها، فقد خلقه من ماء وتراب (طين)
(فإنا خلقناكم من تراب) [الحج: 5].
وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"إن الله تبارك وتعالى: خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر، والأبيض، والأسود، وبين ذلك، والسهل والحزْنُ، والخبيث والطيب" أخرجه الترمذي وأبو داود.
والماء عنصر في خلق الإنسان
(والله خلق كل دابة من ماء) [النور: 45]. 
وقد خلقه الله بيديه
(قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ) [ص: 75].  
وأخيراً نذكر بالأصل العظيم الذي يبطل هذه النظريات التي تنفي الخلق المستقل للإنسان وهو تكريم الله لبني آدم الذي لا يتناسب مع ردّ أصل الإنسان إلى قرد: قال تعالى:
(ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) [الإسراء: 70]. 
 وقال:
(لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) [التين: 4].

                                                                      كتاب : نشأة الحياة
                                                                     كتاب:أصل الأنواع
                                                                     كتاب:التصميم الذكي

التعاليق

أحدث أقدم