زوارنا الأفاضل، أهلا وسهلا بكم على صفحات مدونة محيط المعرفة، تتعرض أدمغتنا وأعيننا للخداع باستمرار، فيكفي أن تحضر   عرضا لأحد السحرة أو تشاهد بعض البرامج الرائجة كبرنامج "ألعاب العقل" لكي تدرك ذلك، وبطلنا في هذا الموضوع هو عالم النفس الأمريكي "دانيال جيلبرت" الذي اهتم منذ طفولته بالأخطاء التي يقع فيها الناس عادة، فأدمغتنا تعمد إلى "ملء الفراغ" لتقدم لنا صورة سريعة للواقع، فلاحظ أن قصور المعلومات الواردة علينا من العالم الخارجي تجبرنا على ارتكاب أخطاء في التفكير، ويظهر ذلك جليا في قضاءنا معظم أوقاتنا في فعل الأشياء التي نأمل في أن تجعلنا سعداء في المستقبل رغم أن فهمنا للمستقبل بعيد كل البعد عن الواقع.

السعادة من منظور علم النفس
السعادة من منظور علم النفس
رغم أن البشر ظلوا يبحثون في موضوع البصيرة عبر الآلاف من السنين فإن "جيلبرت" يزعم أن كتابه "التعثر في السعادة" هو أول كتاب يجمع بين علم النفس والأعصاب والفلسفة ليقدم إجابات واضحة، كما يشير في كتابه أن الإنسان هو المخلوق الوحيد القادر على التفكير بشأن المستقبل. وقد يبدو النمل من المخلوقات التي تفكر في المستقبل بادخارها الحبوب لفصل الشتاء، ومع ذلك فلا يدفع تلك الحشرات إلى هذا الفعل إلا استجابتها الغريزية لتفاوت طول الليل والنهار وتغيرات الحرارة.
يقول "جيلبرت" الناس لا يتذكرون كل التفاصيل عن خبراتهم ومعارفهم السابقة بل يتذكرون المعنى الإجمالي، والمخ يملأ الباقي لجعل الذكرى تبدو كاملة، أي أنه يصنع طرقا مختصرة، لذا علينا أن نعلم أننا لا نملك تصورا حقيقيا للواقع بل تفسيرا شخصيا لهذا الواقع. والكثير من البحوث النفسية أثبتت أن المخ الإنساني ليس مهيئا لملاحظة غياب الأشياء، ومع ذلك فإنه يمارس خدعه الذكية علينا فيجعلنا نعتقد بأن تفسيراتنا حقيقية لدرجة تجعلنا نقبلها كحقائق لا تقبل الشك، وفي التحقيقات الخاصة بجرائم القتل والسرقة والاغتصاب غالبا ما تكون إفادات الشهود متضاربة وغير واقعية.
إن ما يجعلنا سعداء يلون كل مدركاتنا عن ماهية السعادة، حيث يتغير مفهومنا للسعادة باختلاف مراحل العمر. حيث لا يرى المحبان أن ما يشعران به تجاه بعضهما البعض قد يتغير بعد 6 أشهر من الزواج، والذي يريد امتلاك سيارة في المستقبل سيجد نفسه عند امتلاكها غير سعيد بالقدر الذي تخيله.وكل هذه الأخطاء في الإدراك سببها عصبي، لأننا نحكم على المستقبل بمشاعر الحاضر، إذن فحكمنا على الأحداث المستقبلية لا يتميز بالعقلانية، إن ما نتخيل أنه سيحدث يحدده ما نشعر به في هذه اللحظة، فكيف لنا أن نعرف ما سيشعرنا بالسعادة بعد 20 عاما؟
خلاصة القول إن الدماغ البشري مهيأ جيدا لتصور المستقبل، وإن لم يكن بصورة دقيقة، وهذا يفسر الهوة بين ما كنا نظن أنه سيجعلنا نشعر بالسعادة وبين ما يسعدنا بالفعل، وقد يدهشنا أن نعرف أن ما كنا نظن أنه سيصيبنا بالبؤس من بشر ومواقف قد يكون سبب سعادتنا وما أمضينا حياتنا لنيله هو سبب شقائنا.

                                                                                     كتاب التعثر في السعادة
                                                                                         دانيال جيلبرت

التعاليق

أحدث أقدم