روى الإمام مسلم في صحیحه بسنده عن أبي ھریرة رضي ﷲ عنه عن رسول ﷲ صلى ﷲ علیه وسلم أنه قال: "لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنھارًا".

  وھذا الحدیث الشریف من المعجزات العلمیة التي تصف حقیقة كونیة لم یدركھا العلماء إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرین حین ثبت لھم بأدلة قاطعة أن جزیرة العرب كانت في القدیم مروجًا وأنھارًا, كما تشیر الدراسات المناخیة إلى أن تلك الصحراء القاحلة في طریقھا الآن للعودة مروجًا وأنھاراً مرة أخرى, وذلك لأن كوكب الأرض یمر  في تاریخه الطویل  بدورات مناخیة متقلبة تتم على مراحل زمنیة طویلة ومتدرجة  كما قد تكون فجائیة، ومتسارعة، فعلى سبیل المثال أدرك علماء الأرض منذ قرن ونصف تقریباً أن أرضنا قد مرت بعدد من دورات زحف الجلید على الیابسة تعرف باسم "الدورات الجلیدیة" یتحرك خلالھا الجلید من أحد قطبي الأرض (أو منھما معًا) في اتجاه خط الاستواء, وینحسر في عدد من المرات في الدورة الواحدة, وقد وضعت نظریات عدیدة لتفسیر كیفیة دخول الأرض في ھذه الدورات الجلیدیة تتلخص في نقص كمیة الطاقة الشمسیة الواصلة إلى  الكوكب نتیجة للتغیرات الدوریة في شكل مداره حول الشمس, واختلاف معدل ترنحه حول محوره, یضاف إلى ذلك زحف القارات عبر المناطق المناخیة المختلفة كنتیجة حتمیة لتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض. 
 قريبا ستتحول جزيرة العرب  إلى مروج وأنهارا
 قريبا ستتحول جزيرة العرب  إلى مروج وأنهارا
   وبدراسات متأنیة ثبت لنا أن جزیرة العرب قد مرت في خلال الثلاثین ألف سنة الماضیة بسبع فترات مطیرة تخللت ثماني فترات جافة, تمر حالیاً بالفترة الثامنة منھا. 
   وتشیر الدراسات المناخیة إلى أننا مقدمون على فترة مطیرة جدیدة شواھدھا بدایات زحف للجلید في نصف الكرة الشمالي باتجاه الجنوب, وانخفاض ملحوظ في درجات حرارة فصل الشتاء, ولولا التزاید المطرد في معدلات التلوث البیئي التي تزید من ظاھرة الاحتباس الحراري لشاھدنا زحف الجلید على كل من أمریكا الشمالیة وأوروبا وآسیا في زماننا الراھن. 
   وفي فترات المطر كسیت الجزیرة العربیة بالمروج الخضراء, وتدفقت الأنھار بالمیاه الجاریة, وتحولت المنخفضات إلى بحیرات زاخرة بالحیاة, وعمرت الیابسة بمختلف صور الحیاة الأرضیة, كما وصفھا حدیث رسول ﷲ صلى ﷲ علیه وسلم الذي نحن بصدده وحتى صحراء الربع الخالي – والتي تعتبر الیوم واحدة من أكثر أجزاء الأرض قحولة وجفافاً  ثبت أن بھا أعدادًا من البحیرات الجافة, والمجاري المائیة القدیمة المدفونة تحت رمالھا الممتدة, وأن تلك البحریات والمجاري المائیة كانت زاخرة بالحیاة, ومتدفقة بالمیاه إلى زمن قوم عاد الذین أقاموا في جنوب الجزیرة العربیة حضارة مادیة لم یكن یدانیھا في ازدھارھا المادي حضارة أخرى في زمانھا, وكانت تلك الحضارة تصدر إلى أوروبا (البدائیة في ذلك الوقت) الفواكه المجففة, والبذور, والبخور, والعطور, والأخشاب, والذھب والفضة, فلما جاء إلى قوم عاد نبیھم ورسولھم سیدنا ھود علیه السلام بالھدایة الربانیة, بدعوة توحید الخالق تعالى, وعبادته بما أمر, والقیام بواجبات الاستخلاف في الأرض وعمرانھا, وإقامة عدل ﷲ فیھا, كفروا بربھم, وجحدوا
بآیاته, وعصوا رسلھم وكذبوھم واستكبروا في الأرض بغیر حق, فأرسل ﷲ تعالى علیھم المطر, وأرسل الریح العقیم فطمرتھم, وطمرت حضارتھم برمالھا, وقطعت دابرھم, وجعلتھم كالرمیم .
 
ولیس دخول الأرض في دورة من دورات زحف الجلید على الیابسة بالأمر المستغرب ؛ فقد حدث في تاریخ الأرض الطویل عدة مرات, وآثاره مدونة بدقة فائقة في صخور الأرض منھا اثنتان في أحقاب ما قبل الكمبري إحداھما في حدود بلیوني سنة مضت, والأخرى منذ ستمائة ملیون سنة, واثنتان في صخور حقب الحیاة القدیمة أولاھما في حدود 400 إلى 440 ملیون سنة مضت (العصر الأودوفیشي – السیلیوري) والأخرى في حدود 250 – 300ملیون سنة مضت (العصرین الكربوني والیربي) وقد تركت الأولى آثارھا على الثلث الشمالي من الجزیرة العربیة. وتركت الثانیة آثارھا على ثلثھا الجنوبي، وكن الزحف الجلیدي فیھا قادمًا من شبه القارة الھندیة التي كانت في ذلك الوقت موجودة في جنوب الجزیرة العربیة وملتحمة معھا، ومع كل من القارات الإفریقیة, والأسترالیة, والأمریكیة الجنوبیة مكونة قارة عظمى واحدة أطلق علیھا العلماء اسم "جُندُوَانا" ھذه الحقائق لم یتوصل الإنسان إلى معرفتھا إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرین, وإشارة المصطفى صلى ﷲ علیه وسلم إلیھا في حدیثه الكریم "تعود جزیرة العرب مروجًا وأنھارًا" مما یشھد له بالنبوة وبالرسالة, وبأنه علیه الصلاة وأزكى التسلیم كان دومًا موصولاً بالوحي, ومُعَلَّما  من قبِلَ خالق السماوات والأرض.
 
                                                                             زغلول النجار:أسرار السنة

التعاليق

أحدث أقدم