على الرغم من أن أناكساجوراس لم يكن يساوي فيتاغورس أو هرقليطس أو بارامنيدس، إلا ان له  اهمية تاريخية ملحوظة،  فهو أيوني استأنف التقليد الأيوني بصبغة عقلية علمية ويحسب له أنه أول من قدم الفلسفة للاثينيين وأول من فكر في أن يكون العقل علة أولى للتغييرات في الطبيعة.

فلسفة أناكساجوراس Anaxagoras
فلسفة أناكساجوراس Anaxagoras

 ولد أناكساجوراس  في أيونيا(تقع بالقرب من مدينة إزمير  بتركيا) حولي 500 ق.م، ويجوز أن يكون بركليز حاكم أثينا هو من استدعاه ليساهم في تمدين أبناء مدينته.
يقول أفلاطون في محاورة فيدوروس "صادف بركليس اناكساجوراس مصادفة عابرة، فيما يظهر وكان هذا الأخير رجلا من رجال العلم ولما كان بركليز يملأ نفسه بالنظريات الخاصة بأجرام السماء، وبلغ حد العلم بالطبيعة الحقيقية للذكاء والحمق. وهي نفس الموضوعات التي كان أناكساجوراس يدير مناقشاته حولها فقد استمد من معينه كل ما عسى أن يعينه في فن الحديث"
لقد أبدى الأثينيون شانهم في ذلك شأن  أبناء المدن الأخرى، في سائر العصور ومختلف القارات شيئا من الكراهية لاولئك الذين حاولوا ان يتعلقوا بمستوى من الثقافة، أعلى من المستوى الذي اعتادوه، فلما بلغ بركليز مرحلة الشيخوخة، جعل معارضيه يهاجمونه عن طريق إيذاء أصدقائه، فاتهموا فيدياس بأنه غش في الذهب الذي كان مخصصا لتزيين التماثيل، وسنوا قوانين تجيز محاسبة أولئك الذين يمتنعون عن ممارسة شعائر الدين، ويذيعون نظريات خاصة بأجرام السماء، وبناءا على هذا القانون وجهوا اتهاما إلى أناكساجوراس الذي اتهموه بأنه يعلم تلاميذه، بأن الشمس مجرد صخر ملتهب وأن القمر من تراب ، لكن بركليز ساعده على الفرار والعودة لأيونيا من جديد.

فلسفة أناكساجوراس Anaxagoras

ذهب أناكساجوراس إلى القول بأن كل شيء قابل للانقسام إلى مالا نهاية، وأن أصغر أشكال المادة لا يخلو من أثار لشتى العناصر جميعا، وإنما تبدو الأشياء على  ما هي عليه تبعا للعنصر الغالب عليها، فمثلا كل شيء يحتوي على عنصر النار، ولكن لا نسمي الشيء نارا حتى يكون العنصر السائد فيه  هو عنصرالنار . كما أنه يوافق إمبيدوكليس  في اعتراضه على وجود الفراغ,وهو  يختلف عن أسلافه في اعتباره العقل (نيوس)  عنصرا أصيلا يدخل في تركيب الكائنات الحية جميعا ، ليفرق بينها وبين المادة الميتة ، ويقول كذلك بأن في كل شيء جزء من كل شيء ، ماعدا العقل.
 وللعقل قوة على كل شيء تدب فيه الحياة، كما أن العقل لا نهائي يحكم نفسه بنفسه، ولا يخالطه عنصر آخر. فلو استثنيت العقل وحده وجدت كل شيء يحتوي على أجزاء من الاضداد جميعا كالحار والبارد و الأبيض والأسود، والعقل مصدر الحركة كلهافهو يسبب حركة دائرية تنتشر في أرجاء الكون كله، وتجعل أخف الأشياء تنزاح إلى الحافة وأثقلها يهوي تجاه المركز، والعقل متجانس. فهو لا يختلف سموا في الحيوان عنه في الإنسان إنما ترجع سيادة الإنسان الظاهرة إلى أن له يدين وأن كل الفوارق البادية بين درجات الذكاء إن هي في حقيقة أمرها  نتيجة لفوارق في الأجسام .
ولهذا ترى سقراط وأفلاطون يأسفان على أن أناكساجوراس قد أدخل عنصر العقل في حسابه، لكنه لم يستفد منه إلا قليلا جدا فيذكر أرسطو أن اناكساجوراس لم يجعل العقل عنصرا إلا ليتخذ منه سببا عندما تعز عليه الأسباب ، وهو لا يحجم عن تفسير الأشياء تفسيرا آليا إذا وجد إلى ذلك سبيلا .
 وأنكر أن تكون الضرورة والمصادفة أصلين لوجود الأشياء ، ومع ذلك لا تجده يذكر تدبيرا "إلاهيا" في تفسيره للوجود . والظاهر أنه لم يفكر طويلا في أمور الأخلاق والدين. ومن المحتمل ان يكون منكرا للآلهة كما زعم عنه متهموه، وقد تأثر بأسلافه من الفلاسفة باستثناء فيثاغورس.
أما في العلم فمنزلته رفيعة لأنه أول من بين بأن القمر يضيء نتيجة أشعة الشمس المنعكسة عليه, وإن كان بارمنيدس من قبله قد أورد فقرة خفية المعنى تدل بعض الدلالة أنه  أيضا قد عرف ذلك كم قدم أناكساجوراس نظرية صحيحة عن الخسوف والكسوف وعرف بأن القمر أدنى فلكا من الشمس وقال أيضا بكون الشمس وسائر النجوم ما هي إلى صخور مشتعلة.

                                                                                       كتاب تاريخ الفلسفة الغربية تأليف برتراند رسل

1 تعليقات

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم