السلام عليكم ورحمة الله.
عاد سلا Sulla الذي تحدثنا عنه في موضوعنا السابق (الحضارة الرومانية 8: حروب شمال افريقيا 112- 104 ق.م) إلى روما في عام 83ق.م وكان حينها يتولى قيادة جيش يتراوح عدده ما بين 30و40 ألف من المحاربين القدماء الذين أقسموا له يمين الولاء والطاعة وقد دخل بهذه القوات مدينة روما بعد أن هزم القنصلين منتهكا حرمه سور روما pomerium وضاربا عرض الحائط بإحدى أعراف الرومان القديمة. وفي نهاية عام 82ق.م أصبح سلا  هو سيد الموقف في روما بفضل مسانده جنوده فقام بالقضاء علي خصومه السياسيين عن طريق اعلان الحكم بإعدامهم ومصادره ممتلكاتهم دون تقديمهم للمحاكم وفي نوفمبر من العام نفسه أعلن نفسه دكتاتورا لأجل غير مسمي بحجه رغبته في إصلاح الجمهورية وأعاده بناءها فأصبح الحاكم المطلق في روما وذلك من عام 82 الى عام 79 ق.م وهو ما يتنافى تماما مع مبادئ الدستور الروماني واستمرت دكتاتوريته مدة 3سنوات. وفي أوائل عام 79 ق.م أعتزل سلا الحياة السياسية بمحض أرادته ولم يلبث أن مات في عام 78 ق.م وقد أثار اعتزاله فجأة حيرة القدامى والمحدثين وسيقت في تفسير ذلك أراء عديدة منها أنه طمع في الملكية ولكنة يئس عندما لم يجد التأييد من النبلاء فأثر الاعتزال.
تمثال اكتافيوس (اغسطس)
تمثال اكتافيوس (اغسطس)


وبموت سلا دخلت روما في طور جديد برز خلاله مجموعة من القادة العسكريين فشل مجلس الشيوخ في السيطرة عليهم، الذين كانوا يمنحون تحت ضغط الأخطار التي نجمت عن الحروب الداخلية والخارجية سلطات عسكرية كبيرة استغلوها في تحقيق أطماعهم السياسية.

أدى حكم  يوليوس قيصر الانفرادي الذي نشأ بعد القضاء على شريكيه بومبي وكراسوس، والذي استند على الأعمال الباهرة التي قام بها قيصر سنة 59 ق.م. وزودت الخزانة العامة في روما بأموال طائلة، وقد عمل قيصر على بسط سلطانه ونفوذه على الجميع في روما أفرادا ومؤسسات، وأوضح للجميع بأنه على استعداد لاستخدام مختلف الوسائل للوصول إلى غايته، وأخذ يحول مؤسسات الجمهورية إلى مؤسسات خاضعة لسيطرته الديكتاتورية بحيث تكون أدوات طيعة في يديه، وكان بأعماله هذه يهدف إلى القضاء على سلطات مجلس الشيوخ وسيطرة الارستقراطيين وتقوية نفوذ الطبقات الشعبية التي يستند إليها في حكمه. ولذلك لم تسلم منه إلا اللجان القبلية، التي كان يجزل لها العطايا ويظهر لها الاحترام. ولكن يمكن اعتبار بداية الإمبراطورية الرومانية من بداية تعيين يوليوس قيصير دكتاتوراً دائماً لروما سنة 44 ق. م.

مقتل قيصر وتولي اكتافيوس(أغسطس)


آثار قيصر بسلوكه الاستبدادي الحقد في قلوب الأوليجاركية (الارستقراطية) التي ضاقت بالقيود التي فرضها بسياسته عليها والحط من شان مجلس الشيوخ، فتحالفت الأطراف المتضررة على قتله ومن بينهم أتباع قيصر نفسه وعلى رأسهم جايوس كاسيوس، وهو أحد انصار بومبي الذي عفا عنه وعينه قنصلا عام 44 ق.م . وقام المتآمرون بقتله لحظة دخوله قاعة مجلس الشيوخ، متوقعين أن السلطة ستنتقل إليهم ولكن الشعب لم يرحم جريمتهم.

كان ثمة رجلان حاولا أن يسيرا على نهج قيصر إلى المجد، أحدهما انطونيوس كاتب سره السابق، والثاني اكتافيوس الذي اطلق على نفسه اسم اغسطس سبط قيصر ووريثه وظل اكتافيوس في روما، أما انطونيوس فقد ذهب إلى مصر ليكون بالقرب من كيليوباترا التي وقع في غرامها وتزوجها لتتحالف معه ضد اكتافيوس.

نشب القتال بين الرجلين، وأوقع الهزيمة بانطونيوس في موقعة أكتيوم سنة31 ق.م, التي يمكن اعتبارها تاريخ بداية بزوغ الإمبراطورية الرومانية. انتحر انطونيوس وترك كيلوبترا بمفردها تواجه سخط أغسطس،فحاولت جهدها أن توقعه في غرامها، ولكنها لم تفلح في اغرائه لتقتل نفسها هي الأخرى وبذلك غدت مصر ولاية رومانية سنة 30 ق.م.

في العام 14 من الميلاد توطد مركز اكتافيوس بوصفه الحاكم المطلق، حتى أصبحت له قداسة لم تعهد في غير الآلهة من قبل، وبذلك بدأت روما تحت حكمه عهدا جديدا من السلام ولقب حينها باسم أغسطس منقذ البشرية واعتبروه مؤسسا للعصر الذهبي حتى أن هناك من عبده كإله.

التعاليق

أحدث أقدم