الخبرة العادية تؤكد لنا أن كل شيء في الكون يجري عليه التغير ويخضع للتآكل بصفة مستمرة، ويمكن قياس نسبة التغير والتآكل بالنسبة للأشجار بتحليل وقياس الدوائر المتراكبة لمعرفة عمر الشجرة وحالة الجو السائدة في كل فترة. لكن كل هذا لا يفسر لنا سبب سيرسهم الزمن في اتجاه واحد رغم أن المعادلات الرياضية التي نستخدمها لتوصيف كل شيء، انطلاقا من بنية الذرات حتى دوران المجرات، لم نجد فيها ولو قانون واحد يمنع رجوع الزمن إلى الخلف فهذه المعادلات صحيحة بنفس المقدار في الاتجاهين معا سواء نحو الماضي أو المستقبل.

تجربة عكس اتجاه الزمن الكمومي
تجربة عكس اتجاه الزمن الكمومي

معضلة انعكاس اتجاه سهم الزمن

كلنا نعلم ماذا سيحدث عند سقوط كأس زجاجي على الأرض، الكل سيجمع على أنه سيخلف أجزاء متناثرة وفوضى عارمة وفكرة أن تعود القطع لتعيد تكوين الكأس من جديد تبدو سخيفة، لكن المنطق الفيزيائي يقول أن ذلك ممكن فكل ما يجب فعله هو عكس سرعات جميع القطع والجزيئات والذرات ليعود الكأس إلى حالته المبدئية، فإذا كان الأمر بهذه البساطة فلماذا لا يحدث في الواقع؟
تمكن العالم النمساوي لودفيغ بولتزمان من معرفة السبب الذي يتلخص في أن كل شيء في الكون لديه ميل للانتقال من الانتظام إلى الفوضى، كأن نلقي أوراق لعب مرتبة في الهواء فاحتمال أن تسقط في وضعية مرتبة هي واحد من بلايين الاحتمالات والنتيجة الحتمية هي فوضى عارمة والأمر ينطبق على كل شيء من حولنا إذا كان مقياس الفوضى يميل للزيادة في اتجاه واحد للزمن فيجب دراسة الظروف الأولية، وذلك بالرجوع إلى الظروف الابتدائية الأولية لكل شيء وهذا سيحيلنا حتما إلى نقطة البداية، الانفجار العظيم ولو تتبعنا خط الزمن لرأينا ازدياد النظام كلما رجعنا في الماضي، فيتقلص كل من الزمان والمكان وتتكدس الطاقة والمادة في نقطة واحدة فائقة الكثافة متناهية في الصغر بشكل لا تتخيله عقولنا، وهذه الحالة تكون في غاية الانتظام، النتيجة التي نخلص إليها أن الانفجار العظيم هو الذي انشأ سهم الزمن ووجهه نحو المستقبل.  

تجربة عكس الزمن الكمومي

هذا الأمر ينطبق على الأنظمة المركبة والكبيرة لكن ماذا عن الجسيمات الذرية؟ قامت ثلة من علماء الإنتروبي (entropy) على رأسهم Roberto Serra، بدراسة سير الزمن في الأنظمة الكمومية الذرية وعمل الفريق على قلب اتجاه اللف المغزلي (spin) لذرات الكربون بشكلٍ متكررٍ باستخدام مجال مغناطيسي متردد وربط اتجاه الزمن الناتج عن الاهتزازات الكمومية (quantum fluctuations) بحالات اللف الذاتي الذرية المختلفة.
قاس الفريق الإنتروبي الخاص بذرات الكربون 13 الموجودة في عيّنة من الكلوروفورم السائل. على الرغم من احتواء العينة على ما يقارب التريليون جزيء من الكلوروفورم، فإن الطبيعة الكمومية غير النشطة لهذه الذرات جعلت من التجربة مماثلة للقيام بالقياسات باستخدام ذرة كربونٍ واحدة، ولكنها مضاعفة تريليونات المرات.
عرّض العلماء العينة إلى مجالٍ مغناطيسيّ خارجيّ مهتز، الذي قام بدوره بعكس حالة اللف الذاتي الخاصة بذرات الكربون بين الأعلى والأسفل باستمرار، ثم زادوا من شدة المجال المغناطيسي لرفع معدل انعكاس حالة اللف الذاتي، ومن ثم قاموا بتخفيض الشدة.
بما أنّ النظام قابل للعكس، يجب أن يتماثل التوزيع الكلي لحالة الذرات في نهاية التجربة والتوزيع في بدايتها. ولكن تبين للعلماء عند استخدام الرنين المغناطيسي الذري وطبوغرافيا الحالة الكمومية أن هنالك زيادةً في عدم النظام في الحالة النهائية. بسبب الطبيعة الكمومية للنظام، يماثل ذلك زيادة في الإنتروبي الخاص بذرة كربونٍ واحدة.
طبقاً للباحثين فإن سبب زيادة الإنتروبي لذرة واحدة هو السرعة التي يتم بها إجبار الذرة على الانعكاس وفقها، أي أن الذرات غير قادرة على مواكبة السرعة العالية لشدة المجال المغناطيسي ولذلك فإنها تبدأُ بالاهتزاز بشكلٍ عشوائيٍّ، ويشبه ذلك عدم قدرة راقص مبتدئ على مواكبة إيقاع الموسيقى السريعة التي يرقص عليها. يقول Serra: "الرقص على موسيقى بطيئة الإيقاع أسهل من الرقص على موسيقى سريعة الإيقاع".
يؤكد العلماء أن النتائج الحالية ربما لا تكون مرضية لكن يمكن استخدام التشابك الكمومي الذي ينص على إمكانية احداث رابطة بين جسيمين وأن هذه الرابطة تسمح بتبادل المعلومات بين الجسيمين بغض النظر عن المسافة التي تفصل بينهما.

          المصدرمجلة Physics World

2 تعليقات

  1. شكرا لكم على المعلومات القيمة
    احيانا يصعب تطببق الاشياء النظرية والارقام والمعادلات الرياضية لا يمكن ان تجيبنا عن اشياء تحدث في الواقع والسبب هو قصور هذه العلوم لان الانسان رغم تطوره يظل عاجزا عن تفسير امور الكون بالرياضيات او باي علم اخر فالمعرفة لا يمكن ان تصل تاى الكمال
    نتمنى لكم الاستمرارية ومزيدا من التألق لاننا فعلا نحتاج الى مواقع عربية تنير العقول

    ردحذف
  2. بالفعل أخي الكريم كلما تقدم العلماء في كشوفاتهم العلمية كلما استصغروا أنفسهم ,فكل سؤال يجيبون عنه يولد مآت الأسئلة الكون أعظم من أن يستوعبه العقل البشري ولكن الأهم هو أن ندرك عظمة الخالق وضعف المخلوق وجسامة المسؤوليةالملقاةعلى عاتقنا ألا وهي خلافة الله على أرضه.

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم