الحرية حديث الجميع مطلب السجناء وغنيمة الساسة ومحراب الزهاد,إن كنا أحرارا فما معنى القانون والأخلاق والأديان والمدنية إن كل هذه الأشياء قيود على حريتنا ,إن القانون يمنعني من أشياء والأخلاق تحرم علي أشياء والأديان تخيفني من أشياء وتقيدني بضوابط وأوامر ونواهي ,والمدنية تربطني بعجلة الأسرة والبيت والمصنع والسوق وتضبطني على مواعيد أنام فيها وأصحو ,إن الحياة حولنا قيود في قيود أين الحرية التي نتكلم عنها ,إنها حرية ناقصة مشلولة.

رحلة داخل قلب مشوش يبحث عن الحرية
رحلة داخل قلب مشوش يبحث عن الحرية
   
   جل هذه التساؤلات تدور حول نقطة واحدة هي القيود المضروبة حولنا بعض هذه القيود تصل إلينا بالوراثة كالإسم والجنس والدين والوطن وبعضها يأتينا من بيئتنا كالحر والبرد والمكروبات والأمراض وبعضها من ابتكار الإنسان كالقوانين والنظم السياسية والأخلاق وجميعها في النهاية تقيدنا فلا يبقى لنا إلا القليل أو ما دون القليل .
  وهنا نجيب هذا القلب الحيران إن الحرية تفقد معناها بمجرد سقوط المقاومات من حولها لأن انعدام العقبات وامتلاكي لكل شيء في وقت واحد معناه انتفاء كل نقص ومعناه كمالي وبالتالي تنعدم رغباتي ومطالبي لأن المطالب والرغبات منبعها احتياجاتي . وبانعدام الرغبة والمقاومة يسقط معنى الحرية لأنها تكون استهدافا فارغا إلى لا شيء.
     إن الحرية التي نتناولها كلمة بشرية صرفة  كلمة لا معنى لها إلا بوجود القيود والمصاعب والحرية عملية مرتبطة باحتكاك الإنسان ببيئته وبإلغائها يصبح الإنسان إله وما عدا الله أن يكون.
    ويصرح التائه هل أنا حر وأنا لا أكاد أملك الخبز الحافي وكيف يكون حرا من لا يملك قوت يومه وتوفير القوت في حد ذاته توفير للحرية والسؤال المطروح هنا ما هذا القوت المطلوب توفيره ؟ أهو طعام من جميع الأصناف ومن كل ما لذ وطاب وسيارة فارهة ومنزل فخم وامرأة حسناء, إن كان هذا هو القوت المقصود فإن توفيره لن يكون توفيرا للحرية وإنما يكون تبديدا لها ومعناه أن يكون الإنسان في خدمة الطعام وليس الطعام في خدمة الإنسان معناه تبديد الوقت والجهد والفكر لتحقيق الوفرة المادية ومعناه أن يصبح الإنسان في النهاية عبدا لهذه الوفرة ويفقد حريته أما إذا كان المقصود بالقوت هو الكفاف وسد الجوع فإن القضية صادقة فحين لا توجد كسرة خبز لا توجد حرية ,ولكن إذا توفر ما يسد الرمق فالبحث عن المزيد ليس كسبا للحرية وإنما إضاعة لها .
    وقد كان غاندي أكثر الناس حرية وهو يسعى حافي القدمين لا يملك إلا مغزل صوف يدوي وكيسا به بضع ثمرات وعنزة يشرب من لبنها ويصنع من صوفها ثيابه وخير بني أدم محمد(ص) الذي مات ودرعه مرهونة عند يهودي وسيدنا المسيح والكثير من العظماء والأحرار الذين صنعوا لنا حرياتنا وغيروا التاريخ. وشرط الحرية هنا هو الكفاف لأن أكثر من هذا خضوع لعبودية البطن كما أن إضاعة العمر في الجري وراء النساء هو خضوع لعبودية الشهوة.
    أما الاعتراض بأن الأخلاق والدين والقانون قيود على الحرية فهذا غير صحيح فكل هذه الضوابط مثل إشارات المرور الأخضر والأحمر والبرتقالي وبدون إشارات المرور تتصادم العربات ويقف المرور ويفقد كل سائق سيارته إنها ضوابط لإتاحة أكبر قدر من الحرية وليس مصادرة لها .وأنت حين تقيم الضوابط على شهوتك تصبح سيد نفسك لا عبدا لغرائزك أما حرية المقامر والسكير والزاني ومتعاطي المخدرات فهي ليست حريات إنما هي درجات من الانتحار وإهدار للحياة و بالتالي إهدار للحرية.
     والسباح يعلم أنه إذا أراد أن يزداد حرية فعليه أن يسبح مع اتجاه التيار وليس ضده وخلاصة القول أن الحرية كانت دائما هي اكتشاف القانون الطبيعي والسنن التي أودعها الله في كونه و العمل في اتجاهها وليس العمل ضدها.
                                                                   
                                                                           المرجع: لغز الموت

التعاليق

أحدث أقدم