أهلا وسهلا بمحبي الفلسفة في موضوعنا السابق تحدثنا عن فيلسوف العقل اناكساجوراس حولي 500 ق.م،  وعن اسهاماته في تطوير الفكر الفلسفي لنأتي اليوم للحديث  عن عينة مميزة من الفلاسفة والذين سموا بالفلاسفة الذريين.
الفلاسفة الذريون:لوقيبوس و ديموقريطس Démocrite et Leucippe
الفلاسفة الذريون:لوقيبوس و ديموقريطس Démocrite et Leucippe 

ويعود الفضل في تأسيس هذا النوع من الفلسفة،  لأفكار لوقيبوس و ديموقريطس,Démocrite et Leucippe (460 ق.م - 370 ق.م)في عصر ماقبل سقراط   لقد جاءت وجهت نظر الذريين قريبة الشبه بما يقوله  العلم الحديث على صورة تستوقف النظر فهما يعتقدان أن كل شيء مكون من ذرات «atomos»غير قابلة للانقسام يفصل بينها فراغ وأن هذه الذرات أزلية يستحيل فناؤها وستظل إلى الأبد في حركة دائمة فقد قال ليوكيبوس وديموقريطس "أنّ الذرات صلبة جدًا ولا يمكن تقسيمها أو تدميرها، بينما تموت الأشياء العادية أو تتفكك عندما تتناثر الذرات المكونة لها، وأن هنالك من هذه الذرات عدد لا نهاية له بل لا نهاية لعدد أنواع الذرات التي تختلف عن بعضها البعض  شكلا وحجما" ويقول أرسطو "أن الذريين يذكرون أيضا ان الذرات تختلف في درجات الحرارة فأشدها حرارة هي التي تكون النار كما تختلف في الثقل وهنا يقتبس ديمقريطس العبارة التالية "كلما كبر حجم الذرة الغير قابلة للانقسام ازداد ثقلها".
كانت الذرات منذ الأزل في حركة دائمة،  لكن الشراح يختلفون في طبيعة الحركة الأولى،  فبعضهم من أمثال زولر يرى أن الذرات ساقطة دوما إلى الأسفل،  وأن أثقلها  كان أسرعها هبوطا. فكانت في هبوطها تلحق بالذرات الأخف فتصدمها،  فتنحرف هذه الأخيرة هنا وهنالك،  مثلما تفعل كرات البلياردو ولا شك في أن هذا هو الرأي الذي أخذ به ابيقور الذي أقام معظم نواحي فكره على أسس نظرية ديموقريطس. لكن ثمة من المبررات ما يكفي لاقناعنا بأن الثقل لم يكن عند  لوقيبوس و ديموقريطس صفة أصيلة في الذرات،  والأرجح أنهما كان يعتقدان أن الذرات في أول أمرها كانت تتحرك حركات لا انتظام فيها،  كالذي تقوله النظريات الحديثة عن حركة الغازات،  فمن أقوال ديموقريطس أنه لم يكن في الفراغ اللانهائي أعلى ولا أسفل كما اعتبر النفس البشرية مكونة هي الأخرى من ذرات لكنها ألطف وشابه بين حركات الذرات في النفس وحركة جزيئات الغبار في شعاع الشمس .

ونتج عن تصادم الذرات،  أن كونت مجموعات دوامات. ويمضي المذهب الذري في شرح هذه الحركة الدائرية على نحو ما قال به اناكساجوراس لكن وجه التقدم هو أن تشرح الدوامات شرحا آليا ، أكثر ما تفسر بفعل العقل.
كان من الشائع قديما أن يوجه اللوم إلى الذريين على نسبتهم كل شيء للمصادفة ،  مع أنهم ،  من خلال ذلك كانوا متزمتين جبريين يؤمنون أن كل شيء يحدث وفق قوانين طبيعية،  حتى لقد انكر ديمقريطس أن يحدث أي شيء بفعل المصادفة وعلى الرغم من ان لوقيبوس مشكوك في وجوده إلا أن المعروف عنه أنه قال "لا شيء يحدث للاشيء بل يحدث كل شيء على أساس وبحكم الضرورة"نعم إنه لم يبين لماذا لزم للعالم ان يكون في البداية على الصورة التي كانت ،  فيجوز أن تكون البداية عنده وحدها نتيجة المصادفة اما وقد تم للعالم وجوده , فطريق سيره بعدئذمحددة على صورة واحدة  بمقتضى القوانين الآلية وقد توجه أرسطو وغيره ،  إليه وإلى ديمقريطس ،  لأنهما لم يفسرا كيف نشأت الحركة في الذرات بادئ ذي بدء ،  لكن الذريين كانوا في هذا أقرب إلى المنهج العلمي الحديث من ناقديهم،  فالسببية لابد لها أن تبدا من شيء،  ومادامت قد بدأت ،  فقد تنسب العالم إلى خالق لكنك في هذه الحالة نفسها ،  لا بد أن تترك"الخالق نفسه" بغير تعليل ،  فالواقع ان نظرية الذريين أقرب إلى نظرية العلم الحديث من أية نظرية أخرى مما ذهب إليه القدماء.

           كتاب تاريخ الفلسفة الغربية تأليف برتراند رسل                                                                           
                  
    Cyril Bailey The Greek atomists and Epicurus                                                                                     

1 تعليقات

  1. أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم