لقد كان "هيلي" من أهم العلماء اللذين درسوا مشكلة الجناح، لأنه وجه النظر إلى ضرورة الاهتمام بتاريخ الأسرة، وأثرها الذي لا حد له في تكوين الحياة الانفعالية للطفل. وكانت دراسات هيلي في الغالب تهتم بتاريخ الاضطراب وتشخيصه، والتنبؤ بالجناح دون كبير اهتمام بالعلاج الذي اعتبره مسألة يمكن أن تتحقق عن طريق تعديل الظروف الاجتماعية مع بعض الجلسات مع أخصائي نفسي.
التطور التاريخي لعلم نفس الأحداث الجانحين
التطور التاريخي لعلم نفس الأحداث الجانحين

دراسات هيلي و  جلوك في تحليل سبب الجناح:

وهكذا تمكن "هيلي" من هدم ما كان يدعو إليه أمثال جودار    Goddard من أن الضعف العقلي هو السبب الرئيسي وليس العامل الاستعدادي للجناح، ولقد كانت دراسات جلوك Gluick التي قام بها سنة 1918 بأحد السجون، والتي أثبت فيها وجود حالات من الاضطراب النفسي بين النزلاء مما زكى الاعتراف بالدور الذي تلعبه العوامل النفسية في السلوك الاجرامي، وساند أراء هيلي بشكل واضح عندما اتجه إلى تأثير العوامل النفسية في صياغة دينامية حالات الجناح.

دراسة هوايت:

ومن الأسماء اللامعة في الطليعة الأولى للعلماء الذين اهتموا بالبحث في مشكلة الجناح العالم هوايت الذي قاد أكبر حركة ثورية لإصلاح المستشفيات العقلية بأمريكا من سنة 1890 إلى سنة 1930. فقد أدخل مبدأ عدم تقييد حرية المرضى العقليين ونادى بشدة بعدم اعدام المجرمين الذين ثبتت عدم مسؤوليتهم عما اقترفوه، ولو أنه من الناحية الفنية ليسوا مجانين. فقد نادى بضرورة الدراسة النفسية والرعاية القانونية للمجرمين، كما أعلن في سنة 1923 أن من واجب المحاكم الحتمي أن تعترف بأن الاجرام قد يكون استجابة شرطية نفسية. وأن مشكلات المسؤولية الجنائية والعقوبة يجب أن يعاد النظر فيها في ضوء هذه الحقيقة.
ولقد كان لهذه الأصوات التي ارتفعت تنادي بأهمية العوامل النفسية في الأجرام والجناح أثر واضح في انشاء أول محكمة للأحداث الجانحين بشيكاغو سنة 1899 للنظر في قضايا الأحداث منفصلة على محاكم المجرمين الكبار.
وفي أحد اجتماعات المحكمة أكدت Miss Van Weters عندما حاولت ان تعطي صورة عن الجانح مبدية انه شاب في حالة صراع، بين القوانين السلوكية القائمة في المنزل والمدرسة والمجتمع فيما يسمى بحالة عدم التوافق لأن سلوكه كما يبدو لنا غير متلائم مع المعايير الخاصة بالملكية والنظام السائد والقوانين السائدة الذي نعرفها ونسلم بها.

دراسة فرويد:

وفي نفس الفترة ظهرت كتابات فرويد عن الهستيريا وعن القلق العصابي والوسواس القهري. حين وضع نظريته المرتكزة على الدور الذي يلعبه الجنس في ظهور الأمراض العصابية، والانحرافات التي أصبحت منتشرة على نطاق واسع. ولقد لاقت كتاباته عن الكبت واللاشعور وتحليل الأحلام وعصاب الطفولة معارضات كثيرة.
وفي سنة 1915 وصف فرويد أنماط خلق العصابيين والتي وجهت الأنظار إلى أهمية البحث والتعمق في موضوعات السيكوباتية والجناح العصابي.
ومع بداية القرن العشرين ظهرت ثلاث دراسات لها أهمية قصوى في دراسة الجناح، بل ولها نفس الأهمية في فهم الكثير من مشكلات السلوك البشري بصفة عامة. وكانت على الشكل التالي:

دراسة ايكهورن:

والتي قامت على أساس تحليل الكثير من الحالات العصابية، والتي أفصحت عن قيمة التربية الخلقية في السنوات الأولى من عمر الطفل، ويقول ايكهورن بأن الطفل كائن بدائي غير اجتماعي، وهو يتحول إلى انسان متمدن عن طريق الخبرة الاجتماعية والتدريب المناسب، الذي من دونه لا يمكن أن يتلاءم مع أوضاع المجتمع.

دراسات برونر:

لخص برونر دراسته في كتابه الشهير "الجانحون و المجرمون" سنة 1925 والتي جاء فيها بدراسة لحالات جموح أطفال من مدينتين مختلفتين تابع حالاتهم لعدة سنوات، تبين له فيها أن الوراثة على العموم ليس لها أثر يذكر في خلق الجريمة. وأكد فيها أن الجناح صورة من صور السلوك المكتسب، وأن مشكلة تحديد سببه هي مشكلة بيئية بأوسع معانيها.

دراسة سيرل بيرت :

جمعت دراسة سيرل بيرت العديد من الاتجاهات العلمية، ونظمت الكثير من الحقائق ودعمتها بالأسانيد الإحصائية التي تبرز أهمية الحياة الأسرية وضرورة استعمال الكثير من اختبارات الذكاء والاختبارات النفسية ودراسة البعد الانفعالي والإرادة عند الجانحين.

كتاب ديناميات السلوك غير السوي للدكتور محمد أحمد غالي

التعاليق

أحدث أقدم