لقد ترددت كثيرا قبل أن أكتب هذا الموضوع، لأنه يختلف عن الموضوعات السابقة، نعم لقد جعلني محتوى هذا الموضوع وأفكاره أعيد التفكير في نظرتي لهذا العالم، هل هو حقيقي أم مجرد وهم، ربما لن يشاطرني العديد منكم هذه الفكرة التي تظهر من الوهلة الأولى أنها متطرفة وغير معقولة، ولكن بمجرد أن تبدأ في استيعاب الأفكار والحقائق العلمية ستدرك أن العالم ليس كما يبدو بل كما تصوره لنا عقولنا.
العالم الذي نعيش فيه وهم
العالم الذي نعيش فيه وهم
العالم الذي نعيش فيه وهم من صنع أدمغتنا
العالم الذي نعيش فيه وهم من صنع أدمغتنا
   تتم عملية الرؤية على عدة مراحل متتالية، فالحزمة الضوئية التي يصدرها جسم ما إلى العين تعبر قزحية العين لتنعكس على الشبكية في مؤخرة العين، وتصدر خلايا الشبكية إشارات كهربية ينقلها العصب البصري إلى بقعة صغيرة جدا تقع في مؤخرة المخ وهي بقعة مظلمة لا ترى النور أبدا. فلنلخص الآن هذه العملية التي تبدو عادية في ظاهرها، عندما نقول إننا "نرى" فنحن في الواقع نرى تأثير النبضات التي تصل إلى عيوننا وترسل إلى المخ بعد تحويلها إلى إشارات كهربية، أي إننا عندما نقول أننا "نرى "فإن ما نراه في الحقيقة لا يعدو كونه إشارات كهربية داخل المخ.
  إن الشخص الذي يتناول فاكهة ما لا يواجه في الحقيقة الفاكهة بعينها، بل الصورة التي يدركها المخ لها، فالجسم الذي يمثل "الفاكهة" يتكون من إشارات كهربائية خاصة بشكل هذه الفاكهة ومذاقها ورائحتها فإذا قطع العصب البصري الذي يمتد إلى المخ فإن صورة الفاكهة ستختفي فجأة، ونفس الشيء يحدث إذا قطعنا العصب الشمي أو الذوقي. وبعبارة بسيطة إن صورة الفاكهة ليست إلا تفسير الدماغ للإشارات الكهربية، وبينما تقرؤون هذه الأسطر، أنتم لستم كما تظنون جالسون داخل الغرفة أو المقهى بل إن الغرفة أو المقهى هي الموجودة داخل المخ في مركز الإبصار.

العلم يثبت أن العالم الذي نعيش فيه وهم من صنع أدمغتنا
العلم يثبت أن العالم الذي نعيش فيه وهم من صنع أدمغتنا
  وما سبق ينطبق على جميع الحواس فعندما تظن أنك تسمع صوت الهاتف في الغرفة المجاورة، فأنك في الحقيقة لا تتفاعل إلا مع الإشارات الكهربية التي ينقلها العصب السمعي فالدماغ مكان هادئ لا يتفاعل مباشرة مع الموجات الصوتية. إن العالم الخارجي الذي ندركه بحواسنا ما هو إلا "إشارات كهربائية" تصل إلى المخ، فنحن نحيا دون أن ندرك الخطأ الذي وقعنا فيه بافتراض أن ما نراه هو أصل المادة التي يتكون منها العالم الخارجي. إن المخ هو المسؤول عن التفسير وإعطاء المعنى للإشارات التي من المفترض أنها تمثل العالم الخارجي فالسمفونية هي مجرد أمواج صوتية والألوان هي فقط اطوال موجية للضوء، فلا توجد أي ألوان في العالم الخارجي فلا تفاحة لونها أخضر ولا سماء زرقاء، فنحن نراها هكذا لأن دماغنا فسرها بهذا الشكل. إن العالم الخارجي يعتمد كليا على وسيلة الإدراك.

  وقد يؤدي خلل بسيط في شبكية العين إلى إصابتها بعمى الألوان، فيرى بعض الناس اللون الأزرق على أنه لون أخضر ويرى البعض الآخر الأحمر أزرقا، وفئة يرون جميع الألوان فقط بدرجات اللون الرمادي، وفي هذه الحالة لا يهم كثيرا ما إذا كان الجسم الخارجي ملونا بالفعل أم لا. إن الحقائق المادية التي بنيناها حتى الآن تقودنا إلى النتيجة التالية: "إن ما نراه ونلمسه ونسمعه وندركه بوصفه "المادة" و"العالم "و"الكون "بأسره هو عبارة عن إشارات كهربائية يتلقاها الدماغ، فنحن لا نستطيع على الإطلاق أن نصل إلى حقيقة المادة خارج عقولنا، ولكن بامكاننا أن نرى ونسمع ونتذوق "العالم الحارجي" كما تشكل في أدهاننا.

   ولا ننسى أن نذكر بأن الحيوانات ترى وتسمع بطرق مختلفة فهناك من يرى مستعينا بالأشعة ما تحت الحمراء أو فوق البنفسجية كما أن الخفاش يرسم صورة صوتية باستخدام الصوت المرتد، إذن  من يمتلك الصورة الحقيقية للعالم الإنسان أم الحيوانات أو ربما الحشرات. 

  ويقول FREDRICK VESTER "إن العلم قد أتبث أن الإنسان مجرد صورة وأن كل ما يمر بنا من تجارب هي أمور مؤقتة وخادعة وأن الكون كله ما هو إلا خيال." ويناقش المفكر المعروف BERKELEY" في بداية الأمر كان الاعتقاد الشائع، هو أن الألوان والروائح "توجد بالفعل في العالم الخارجي ولكن وجهات النظرهذه تم التخلي عنها فيما بعد فقد ثبت أن وجودها متوقف على احساسنا ". ولا يفوتني أن أشير إلى قضية الأحلام التي في غالب الأحيان تخدعنا، فنخاف ونرتعد ونجري ونضحك ونتألم وكأننا نعايش أحداثا ونلتقي أناسا وما ذلك إلا عالما شكلته عقولنا، ومن يدري لربما كان ذلك هو العالم الحقيقي وما نعيشه في اليقظة هو عالم الوهم.

(حديث قدسي) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَاجِيَةَ، عن أَبُو هَمَّامٍ يَعْنِي الْوَلِيدَ بْنَ شُجَاعٍ عن سَعِيدُ بْنُ الْفَضْلِ الْقُرَشِيُّ، عن عُمَرُ بْنُ صَالِحٍ الْعَتَكِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: " أَقْبِلْ "، فَأَقْبَلَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: " أَدْبِرْ ". فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: " وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، بِكَ آخُذُ وَبِكَ أُعْطِي، لَكَ الثَّوَابُ وَعَلَيْكَ الْعِقَابُ.


2 تعليقات

إرسال تعليق

أحدث أقدم