لماذا أمريكا تلوح باستعمال القوى ضد إيران في العديد من المناسبات بالرغم أن إيران لم تهاجم أي دولة منذ 1798م ؟كيف توجه أمريكا بوصلتها العسكرية؟ وأين ستكون الوجهة التالية؟  عندما نقارن الأحداث التي نراها على أرض الواقع وما تعلمناه في المدارس يظهر الأمر غير منطقي وبلا معنى, رغم أن الولايات الأمريكية تحاول أن تسبغ عليه بعض الشرعية وتضيف إليه
القليل من المعنى مستعينة بآلتها الإعلامية وصناعتها السينمائية ,لكن من خلال معرفة الدافع الحقيقي ستتكشف الحقائق وستظهر منطقية وقبل ذلك تعالوا لنلقي نظرة سريعة على التاريخ.
أحجار على رقعة الشطرنج والحرب العالمية الثالثة
أحجار على رقعة الشطرنج والحرب العالمية الثالثة
   في عام 1945م اتفق البريطانيون على اعتماد الدولار كعملة للاحتياطات العالمية ,مما يعني أن التبادلات التجارية العالمية أصبحت مسعرة بالدولار ,هذه الاتفاقية أعطت الولايات المتحدة مميزات مالية واضحة ولكن بشرط أن يتم تعويض الدولار بالذهب بسعر ثابت ويقدر ب 35 دولار للأونصة أو 28جرام.ووعدت أمريكا بأن لا تطبع الكثير من المال لكنه كان مجرد وعد زائف .إن الاحتياطي الفدرالي رفض السماح لأي مراجعة أو إشراف على مطابع النقود.
   حيث أن نفقات الحرب في فيتنام سنة م1970م أكدت للعديد من الدول أن أمريكا لم تلتزم بتعويض قيمة الدولار بالذهب وكانت ردة فعل هذه الدول مطالبتهم باسترجاع الذهب وهذا أدى إلى انخفاض سريع في قيمة الدولار ,الأزمة تفاقمت سنة1971م عندما حاولت فرنسا سحب الذهب الذي اشترته بالدولار لكن الطلب قوبل بالرفض من قبل الرئيس نيكسون وراوغ المجتمع الدولي حيث تحجج بالظرفية التي تحتم التعليق المؤقت لتعويض الذهب بالدولار ,لكن كان من الواضح أن هذا ليس تعليقا موقتا كما ادعى نيكسون ,بل كان ولا زال قائما حتى الساعة وهذا يمكن اعتباره سرقة واضحة واستغلالا لعرق الشعوب .في عام 1973م طلب الرئيس نيكسون من الملك فيصل اعتماد الدولار الأمريكي فقط في بيع النفط وأن يستثمر كل الأرباح في الخزينة الأمريكية بعقود وسندات أمريكية أيضا وفي المقابل توفر أمريكا حماية عسكرية لحقول النفط السعودية ,نفس العرض اقترح على كل الدول المصدرة للنفط وفي عام 1975م وافقت كل الدول الأعضاء في الأوبيك على اعتماد الدولار فقط لبيع النفط ,هذه الخطة التي خلصت البنك الفيدرالي من مأزق تعويض الدولار بالذهب وربطت قيمته بالنفط الأجنبي .
  حيث أجبرت كل البلدان المستوردة للنفط في العالم لبدء الحفاظ على امدادات ثابتة من الدولار ,ومن أجل الحصول على هذه الأوراق النقدية يجب على الدول ارسال سلع مادية ذات قيمة إلى أمريكا وهذا ولد مصطلح "البترودولار" الشائع .تدفقت الأوراق النقدية المنعدمة القيمة ودخل إليها كل ما تحتاجه من السلع من الدول الأخرى .وكنتيجة منطقية أصبحت الولايات الأمريكية أغنى دولة في العالم ,هذه كانت أكبر عملية احتيال مالية في التاريخ .
    سباق التسلح ابان الحرب الباردة كان أشبه بلعبة البوكر ,الانفاق العسكري عبارة عن رقائق البوكر ,و أمريكا لديها كميات لا محدودة من هذه الرقائق وكانت قادرة على رفع الرهان أكثر فأكثر لاستنزاف ثروات كل البلدان حتى إن النفقات العسكرية لأمريكا تجاوزت نفقات جميع الدول الأخرى مجتمعة, لذلك لم يكن للاتحاد السوفياتي أي فرصة للمنافسة في سباق التسلح. وأصبحت بعدها قوة عظمى بلا منازع .
   كان العراق مواليا لأمريكا لكنه سنة 2000م بدأ يبيع النفط حصريا باليورو وهذا يعتبر هجوما مباشرا على الدولار وعلى الهيمنة الأمريكية وهو أمر لم تستطع أمريكا التغاضي عنه ,وردا على ذلك قامت الحكومة الأمريكية بإطلاق حملة دعائية مكثفة مستعينة بترسانة إعلامية مظللة أشاعوا فيها أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل ,وهو ما ثبت بطلانه وأن تلك التهم مجرد تلفيق .
  في عام 2002م غزت أمريكا وحلفاؤها العراق وبمجرد سيطرتها على البلاد عاد الدولار العملة المعتمدة لبيع النفط العراقي وهذه حقيقة لا غبار عليها ,وفي الكتاب الذي أخذت منه العديد من المعلومات ذكر أن 6 دول ستضرب من قبل أمريكا علما أن تاريخ اصدار الكتاب كان قبل هذه الضربات أي سنة 1958م وهذه الدول هي العراق وسوريا ولبنان وليبيا والصومال والسودان و أخيرا إيران, فيما يخص القدافي كان بصدد إنشاء عملة موحدة خاصة بدول افريقيا أسماها "الدينار الذهبي"وفعلا سقط القدافي سنة 2011م وفور اغتياله أسس البنك المركزي الليبي .أما إيران فحصلت مؤخرا على اتفاقية للبدء في بيع النفط مقابل الذهب أما بالنسبة لسوريا فحليف لإيران وقد وقعت معها اتفاقية الدفاع المشترك ,وكما هو معلوم قامت أمريكا باستثارت المجتمع الدولي  ضدإيران وسوريا محاولة الحصول على دعم دولي ,ونرى الآن أنه ما يحصل لأشقائنا في سوريا يصب في مصلحة أمريكا حتى أنها لم تحرك ساكنا فقط لأنها تحاول اضعاف موقف إيران التي إما ستخضع لرغبات أمريكا أو تواجه مصير العراق .
  من خلال هذه الإطلالة السريعة على هذه الأحداث التاريخية والمعاصرة يتضح الدافع وراء هذه الحروب والعمليات السرية ,عندما نضع الأحداث في السياق الصحيح. فالعائلات اليهودية المتحكمة  في البنك الاحتياطي الفدرالي تعلم أنه إذا بدأت البلدان ببيع نفطها بعملة أخرى فإن الأمر سيفجر تفاعلا متسلسلا قد يؤدي إلى انهيار الدولار ,وهذا النمط اللا متناهي من افتعال الحروب للحفاظ على الدولار وتكريس هيمنته سيأدي حتما إلى اشتعال حرب عالمية ثالثة .

                                                      بقلم :حسين بوتشيشي
                                                     المصدر/ أحجار على رقعة الشطرنج

التعاليق

أحدث أقدم