يعيش الناس مراحل متباينة من الشعور، ويختبرون درجات مختلفة من الوعي، وهناك مرحلة من الوعي يتوحد فيها المرء مع ما يفعله وكأنه هو والشيء الذي هو بصدد القيام به شيء واحد، وكأنه نقطة وعي سابحة في الوجود من غير احداثيات زمانية أو مكانية. يتجرد خلالها الإنسان من خوفه من الفشل والاحباط، وحتى بشعوره بنفسه وبوجوده الشخصي. يكتنف الإنسان في هذه اللحظات شعور بتوقف الزمن، وإحساس داخلي بالبهجة، وقدرة خارقة على التركيز والمهارة في الأداء. ويغيب عنه الاهتمام بالكيفية التي يُؤدي بها العمل، ويكون في هذه  الحالة من التوحد التام مع ما يفعله الشخص في ذروة أدائه، حيث يمكن للفرد حينها أن يصل إلى ابداع انتاج انساني من نوع فريد. ويطلق علماء   النفس الإيجابي على هذه الحالة اسم التدفق الذهني.  
جاء ذكر  مفهوم التدفق الذهني  لأول مرة على لسان ميهالي كسيكزنتميهالي، أستاذ علم النفس  وباحث من أصل هنغاري هاجرا إلى الولايات المتحدة.  يقول ميهالي لا يمكن للمرء أن يدخل في حالة التدفق الذهني حتى يمر بأربعة مراحل حددها على الشكل التالي: 
التدفق الذهني Flow state و سر العبقرية
التدفق الذهني Flow state و سر العبقرية

 مرحلة المعاناة The Struggle

 هي مرحلة من الريبة والشك، يصطدم فيها المرء بكم هائل من المعلومات، شبيهة بالعصف الذهني حول موضوع مشكلته. فيستنفذ طاقة كبيرة من أجل ربط و  ترتيب المعلومات، لكن دون جدوى فيصاب بنوع من الفشل المصاحب باللإعياء ويسميها ميهالي بمرحلة ما قبل الانفجار.  

مرحلة الاسترخاء  Relaxation

هذه المرحلة يجب أن تحرر عقلك تماما من المشكلة أو التحدي .فتأخذه بعيدا عنها وتنغمس في نشاط ترفيهي مختلف تماما عن جو ما كنت تقوم به، كممارسة الرياضة أو الاستمتاع برحلة لتعطي مجالا  للاشعور أو اللاوعي للقيام بعمله، في صمت في حالة من الاسترخاء التام.

مرحلة التفكيك   Fragmentation

بعد مرحلة المعاناة والاسترخاء يدخل العقل البشري في مرحلة ثالثة،يطلق عليها اسم مرحلة التفكيك  حين يكون قد أدرك حجم المشكلة وأبعادها وجزئياتها ومواطن الضعف والقوة فيها، وهي أشبه بالنظرة الجشطالتية الكلية أي ادراك الكل، كشخص ينظر إلى غابة من  على طائرة هلكوبتر فهو يدرك حدود الغابة وكثافة الأشجار وأنواعها والطرقات المؤدية لأطرافها.

Flow state  مرحلة التدفق الذهني 

 يصف سيفن كوتلر هذه المرحلة من الوعي بمرحلة الإنسان السوبرمان أو الخارق، حيث يغلب عليها طابع الالهام حيث تظهر للوجود أفكار وأعمال فنية وابداعية استثنائية، تجعلك أنت نفسك تتفاجأ عن الكيفية التي انبثقت بها، وكيف ظهرت إلى حيز الوجود .فتقول لست أنا من فعل هذا، فتندهش من قمة الأداء الذي وصلت إليه. والعجيب في الأمر أنها تظهر في أي مكان ولأي شخص شرط أن يستعد لالتقاطها، ويؤمن بها. وهذا ما يحدث غالباً للرياضيين والفنانين وأيضاً العلماء عند انجاز عمل ما، يمرون بكل هذه المراحل ابتداءاً بالمعاناة وصولاً إلى حالة التدفق التي ينتج عنها عمل انساني إبداعي فريد.

 يلاحظ من خلال تاريخ العلوم، أن نيوتن توصل لفهم الجاذبية أثناء استرخائه تحت شجرة تفاح. وأرخميدس توصل لقانون دافعته وهو في حمامه. وأنشتاين لنسبيته وهو ينظر من على متن القطار إلى ساعة المدينة. و بريكولي مكتشف حلقة البنزين وهو مسترخ أمام نار الموقد. فلتكن أنت أيضا مستعد عندما تشعر بحالة التدفق الذهني وأخيرا أترككم مع هذا الفيديو المميز الذي يشرح لنا حالة التدفق الذهني  وإلى موضوع أخر بمشيئة الله.


التعاليق

أحدث أقدم