بقلم: تامر الملاح

قد يعتقد البعض أن ما أقصده بالتلوث التكنولوجي هى المخلفات المادية للتكنولوجيا والتي تقدر سنوياً بـ 40 مليون طن، لكن فى الواقع هناك ما هو أخطر من ذلك هناك بشر يتعاملون بشكل يومي مع التكنولوجيا، والتي لا يصح التعبير الآن بأنها قامت بغزو حياتنا فحسب، ولكن إن صح التعبير فأنها أصبحت حياتنا بأكملها؛ هذا ما يجب أن ندركه ونستوعبه فى هذا العصر.



التلوث التكنولوجي
التلوث التكنولوجي



لم يعد اقتصارنا على إستخدام التكنولوجيا متمثلاً فى جهاز الحاسب فقط كما كان فى السابق، ولكن أصبح الآن مع تعدد وتطور الأجهزة النقاله والمحمولة والهوائية تتحرك معنا التكنولوجيا فى كل مكان وزمان، أصبحت صديقة للبشر أكثر من الصداقات الإنسانية نفسها، ومن هنا تأتي الكارثة.

مع ظهور شبكات التواصل الإجتماعي إعتقد مختروعها أنها سوف تلعب دوراً هاماً فى تحقيق آنية التواصل وسرعته بين البشر، ولكن وإن صح التعبير أيضاً تحولت الآن لشبكات الإنفصال الإجتماعي، فكم من حالات زواج انتهت بسببها، وكم حالات طلاق وإرتباط تدمرت بسبب تلك المواقع، وكم من صداقات تحطمت نتيجتها، وكم تحولت حياتنا إلى مجموعة المواقع، وأفكارنا لمجموعة من الأزرار، وبيتنا إلى شاشة من الدردشة.

تحولنا إلى كائنات افتراضية تتحدث من خلف الشاشات، أهو هروباً من الواقع، أم بحثاً عن حياة تتكامل فيها إحتياجات البشر، أم تضيعاً للوقت والحياة، كلها مبررات لا تسمح بوجود ما نحن عليه الآن من تفكك أسرى وإجتماعي، وإنهيار أخلاقي وديني، وخمول فى النسق القيمي لثقافتنا، وترنحات قوية بداخل عقولنا.

ولم يصل التلوث التكنولوجي إلى هذا فحسب، بل ظهر الزواج والإنفصال عن طريق التكنولوجيا، والاختلاط الثقافي والفكري والديني من خلالها، والسير والانجراف وراء الدعوات الهدامة والإرهابية والمتطرفة، فبداية تلك النشاطات المخالفة كانت من خلال التكنولوجيا وعمل مجتمع عن طريقها لتلك المنظمات المتطرفة.

أصحبت التكنولوجيا جو عام مُحبط ومثير للقلق والريب، فمن أراد أن يكون له شأن أو أن يعرفه الجميع يذهب مباشرة إلى إحدى المواقع كي يحدث ما يطلقون عليه "يعمل شوو"، ومن هنا يردد المجتمع بأكمله فخفة عقله تساعد الأخرين على الشهرة الزائفة، والتكبير من شأن الفارغين.

تحولت مشاعرنا ومواقفنا إلى أشياء رقمية يخلو منها الإحساس، وينعدم فيها الشعور، حيث رسخت التكنولوجيا بداخلنا سياسات براجماتية نفعية قائمة على المصلحة فقط، فماتت بداخل الكثيرين الإنسانية إلا من رحم ربي، فيوجد ما يسمى الحب الإلكتروني، الإرتباط الإلكتروني، فسهولة الوصول إلى الجنس الآخر من خلالها أحلت من حرمه الله، وحرمت ما أحله الله، وحسبي ربي.

تلخصت توجهاتنا وأفكارنا فى منشور على الفيس بوك، وأشكالنا فى صورة، وروحنا فى سرد موقف، أصبحت نقاشاتنا في "كام كومنت"، قضايانا تحولت لجروبات وصفحات، أصبح وجود الأفراد في حياتنا أون لاين، والخروج منها أوف لاين، لم نعد نعرف هل نحن كبشر نقود التكنولوجيا أم أن التكنولوجيا هي التي تقودنا؟، هل التكنولوجيا لعبة فى أيدينا أم نحن الذين أصبحنا لعبة فى أيدي التكنولوجيا؟.

أصبح الإنترنت ينهش فى حياتنا ويدمرها ونحن فى أتم الغفلة عن ذلك، يدمر شبابنا بسبب المواقع الخارجة والغير أخلاقية، ويخرب في حياتنا بسبب مواقع ظنناها للتواصل الإجتماعي، ولكنها للخراب الإجتماعي،

فيجب أن ندرك أن التلوث التكنولوجي ليس مخلفات التكنولوجيا المادية، ولكنها مخلفات التكنولوجيا البشرية والمعنوية والإجتماعية، التي ساهمت فى تدمير كامل الإنسانيات بداخلنا، وتوغلت في عظام كلٌ منا حتي نالت منه ما تمنت.

أفيقوا يرحمكم الله، تربوياتنا تموت بأيدينا، وديينا يضيع بتصرفاتنا، وحياتنا تدمرت بعشوائيتنا، وأبنائنا تاهوا من بين أيدينا، وبناتنا عرضت لوحشية مجتمع منحرف، وأنفسنا لا نأمن عليها من غدر الكلاب.

استقيموا فكلنا راحلون إلى المولى عز وجل، فكل إنسان مجازى عن عمله وفعله، وأعيدوا في داخلكم الإنسانية من جديد.

5 تعليقات

  1. إدمان الوسائل التكنلوجية صار مشكلة الجميع وبالفعل وكما أشرتم فقد أدى هذا الى العديد من المشاكل، والتوعية صارت ضرورة ملحة.
    شكرا لكم على هذا المقال الممتاز وبارك الله فيكم

    ردحذف
  2. لا شكر على واجب أخي الكريم وبدورنا نشكر صاحب المقال الأخ تامر الملاح

    ردحذف
  3. جزاكم الله خيراً أحبتى الكرام وإنتظروا المزيد.

    ردحذف
  4. مقال ممتاز وفي الصميم، لكم جزيل الشكر

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم