نعم الله لا تعد ولا تحصى، ومن جملتها تناول لحم الأبل الذي تتفق جميع المذاهب على اباحة أكله، لكن الاختلاف فيما بينهم يتمثل في وجوب الوضوء بعد أكله من عدمه، تنقسم المذاهب حول هذه القضية إلى فرقتين فمنهم من يوجب التوضؤ بعد أكل لحم الجمل ومنهم من لا يرى بدا لذلك ولكل فريق حججه وذرائعه من الكتاب والسنة.
 هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟
 هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء؟

أكل لحم الجمل مطبوخا أو نيّئاً يوجب الوضوء:

يتفق الحنابلة والشافعية وكذلك ابن حزم على أن أكل لحم الإبل مطبوخا أو نيّئاً يوجب التوضؤ بعده استنادا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (أأتوضأُ مِن لحومِ الغنمِ؟ قال: إن شئتَ، فتوضأْ، وإن شِئْتَ، فلا تتوضأْ، قال: أتوضأُ مِن لحومِ الإبلِ؟ قال: نعم. فتوضأَ مِن لحومِ الإبلِ، قال: أُصلِّي في مَرابِضِ الغَنَمِ؟ قال: نعم. قال: أصلَّي في مَبارِكِ الإبلِ؟ قال: لا) ورد في صحيح مسلم. وهناك حديث آخر للرسول (ص) يقول فيه: (سُئِلَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عنِ الوُضوءِ من لحومِ الإبلِ، فقالَ: تَوضَّئوا مِنها وسئلَ عن لحومِ الغنمِ، فقالَ: لا توضَّئوا منها، وسئلَ عنِ الصَّلاةِ في مَبارِكِ الإبلِ، فقالَ: لا تصلُّوا في مبارِكِ الإبلِ، فإنَّها منَ الشَّياطين وسُئِلَ عنِ الصَّلاةِ في مرابضِ الغنمِ، فقالَ: صلُّوا فيها فإنَّها برَكَةٌ) ورد في صحيح أبي داود.
ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن تأكيد النبي على التوضؤ بعد أكل لحم الإبل راجع لما في الإبل من قوى شيطانية كما أشار الرسول (ص) في حديثه عنها حيث قال "إنها جن خلقت من جن" كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود: "الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ"
فأمره (ص) بالتوضؤ من الأمر العارض من الشيطان ، فأكل لحمها يورث قوة شيطانية ، تزول بما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوضوء من لحمها فمن توضأ بعد تناولها اندفع عنه ما يصيب المدمنين لأكلها من غير وضوء كالأعراب ، من الحقد ، وقسوة القلب ، التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "إن الغلظة وقسوة القلوب في الفدادين ، أصحاب الإبل ، والسكينة في أهل الغنم."

أكل لحم الإبل مطبوخا أو نيّئاً لا يوجب الوضوء:

أما الفريق الثاني الذي يتشكل من المالكية والحنفية فلا يعتبرون أكل لحم الجمل من مبطلات الوضوء، ويستندون في ذلك على أدلة شرعية تعزز موقفهم ومنها حديث الرسول (ص) (كان آخرُ الأمرَينِ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تركُ الوضوءِ ممّا مستِ النارُ) شرح معاني الآثار، حيث شرحه الطحاوي في كتابه فذكر: (فَإِذَا كَانَ مَا تَقَدَّمَ مِنْهُ هُوَ الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ، وَفِي ذَلِكَ لُحُومُ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا، كَانَ فِي تَرْكِهِ ذَلِكَ تَرْكُ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ).
كما يرى المالكية أن أكل لحم الإبل لا ينقض الوضوء كأكل سائر الأطعمة تصديقا للحديث الذي رواه ابن عباس عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: { الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل } ولما روى جابر.
ويقول القاضي عبدالوهاب في ( الإشراف ) :لا وضوء من أكل لحوم الإبل ،  لقوله : (لا وضوء من طعام أحله الله) ، ولأنه مأكول فأشبه الخبز، ولأنه حيوان فلم يجب بأكله الوضوء كالبقر والغنم ، ولأن الأكل نوع من الانتفاع به فلم يجب به وضوء ، أصله البيع وغيره "  الإشراف (1/153-154) والله ورسوله أعلم.


التعاليق

أحدث أقدم