أهلا وسهلا بكل متابعي مدونة محيط المعرفة الثقافية.
يتزامن تقديم موضوع تأملات حول التربية الإسلامية مع وضعية خاصة يعيشها العالم العربي والإسلامي ووضعية عامة تعيشها الشعوب المستضعفة في ظل ما ينعت بالنظام العالمي الجديد؛ حيث التناقض الصارخ بين الشعارات والواقع المعيش: فشعار حرية الشعوب، يقابله ظلم الشعوب، واغتصاب خيراتها...
بل هناك شعوب محاصرة وشعوب أخرى تقتل وتبيح ذبح السوائم، ولا أحد يتحرك، بل السعي متواصل من أجل إخضاع الجميع وإذلاله للسير وراء هذا النظام الجائر بصرف النظر عن مدى توافقه مع الهوية العربية الإسلامية، ومصالح الأمة، وإن كانت الأدبيات السياسية تختلف أحيانا في تسميته والتأريخ له: ففي الوقت الذي لا يرى فيه البعض سوى امتدادا لنظام ظهر بعد الحرب العالمية الأولى، يرى البعض الآخر بأن هذا النظام لم يولد بعد. ويأتي هذا الموضوع أيضا في وقت يتحدث فيه بعض المفكرين العرب، بل ويعترفون بوجود أزمة شاملة متعددة الجوانب: أزمة وعي، أزمة إبداع، أزمة بدائل وأخلاق... وانفصال عن الهوية: انفصال النظرية عن التطبيق، انفصال عن الواقع بشكل صارخ.. الخطابات في واد، والتطبيق في واد آخر، ولا شيء يجمع بينهما.

التربية الإسلامية
التربية الإسلامية


تؤكد الدراسات والبحوث المقارنة ارتفاع الحصص الدينية في دولة اسرائيل بحيث تصل في بعض مراحل التعليم إلى حوالي 345 حصة دراسية / توراتية في كل سنة في الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول العربية إلى تخفيض حصص التربية الإسلامية بل إلى إقصائها من بعض مراحل التعليم.

وشيء آخر لا يمكن للمرء أن يفهمه، وهو الاستغناء عن تدريس التربية الإسلامية في بعض شعب التعليم الجامعي والمعاهد العليا، وكأن الطلبة أحاطوا بكل ما يتعلق بدينهم الإسلامي.

وعلى مستوى التعليم الابتدائي أو المدرسة الأساسية المغربية عرفت كافة الوحدات الدراسية إصلاحات متعددة باستثناء وحدة التربية الإسلامية التي لم يشملها أي إصلاح من الإصلاحات السالفة ابتداء من السنة الثالثة أساسي إلى السنة الخامسة، إذا ما سجلنا إصلاحات 1981 التي عرفتها السنة الثانية. وهكذا بقيت الإصلاحات معلقة بين السنة الأولى (1987) والسنة السادسة (1990).

في ظل هذه الأجواء العامة والخاصة تطرح تأملات حول التربية الإسلامية ومحاولاتنا في الفهم والنظر... وهي مجرد محاولات لا تدعي لنفسها الإحاطة والشمول، وحسبها أن تستلفت الأنظار، وتثير الهمم رابطة التربية الإسلامية بأصولها، وتحديد مسؤولية الإنسان ودورها فيها فردا كان أو جماعة أو أمة مع تقديم نماذج وآراء مربين إسلاميين من مختلف العصور، ونماذج أيضا من المناهج الحالية وسيلاحظ القارئ أن كثيرا من المبادئ والقواعد التربوية التي يتم تداولها الآن بشكل واسع لها جذور وامتدادات في ثقافتنا التربوية الإسلامية.

نحو مفهوم شامل للتربية الإسلامية

إذا ما قمنا بتفكيك الموضوع فما مفهوم التربية؟ وما مفهوم الإسلام؟
لا يكاد المربون والباحثون يتفقون على مفهوم موحد للتربية، وهذا شيء طبيعي مادامت التربية تتأسس على فلسفة الأمة وتاريخها وحضارتها، كما أن التربية ليست وليدة اليوم، بل هي قديمة قدم البشرية، ولذلك جاءت بعض التعاريف مركزة على الجانب الفردي، كما أن بعضها يركز على الجانب الاجتماعي أو النفعي... وقد استنبط الأستاذ عبد الرحمان الباني من الأصول اللغوية للتربية كما شرحها بعض علماء الإسلام مجموعة من العناصر نذكر منها: 
  1. المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها، وهذا هام جدا.
  2. تنمية مواهبه واستعداداته كلها، وهي كثيرة ومتنوعة.
  3. توجيه هذه المواهب وهذه الفطرة كلها نحو صلاحها وكمالها اللائق بها.
  4. التدرج في هذه العملية.
والإسلام في اللغة: هو الاستسلام والخضوع.
وهو النظام الإلهي الذي ختم الله به الشرائع، وجعله نظاما كاملا شاملا لجميع نواحي الحياة.
ويقول بعض العلماء إن معنى الإسلام ومفهومه لا يتحدد من خلال آية، أو حديث نبوي واحد بل لابد من الرجوع إلى الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الإسلام، وفي سورة آل عمران نجد الإسلام بالمعنى الكوني، وبمعنى دين الرسل وبمعنى الدين الخاتم: 
أفغير دين الله تبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها، وإليه ترجعون، قل آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبؤن من ربهم لا تفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون. 
وتتعدد مفاهيم التربية الإسلامية: فتارة يقصد بها تلك المقررات الدراسية في هذه المرحلة أو تلك، أو في سنة من سنوات التعليم، وهذا المفهوم الخاص هو الذي نجده عند الأستاذ مصطفى أبو العينين ومن معه حيث يعرف التربية الإسلامية بأنها عبارة عن المقررات الدراسية التي تحمل اسم التربية الإسلامية كمادة في التعليم العام كما قد يراد بها تلك المناهج الدراسية التي عرفتها المجتمعات الإسلامية عبر تاريخها الطويل (والواقع أن التربية الإسلامية ليست عبارة عن مادة دراسية خاصة، أو مقررا في هذه السنة أو تلك. وليست أيضا ذلك الكتاب المعنون بها... وإنما هي فلسفة شاملة تسهم في بنائها وتحقيقها وتجسيدها إلى واقع عملي يتحرك كل المواد الدراسية، والمعارف والممارسات التي تبدأ مع الفرد من المهد إلى اللحد وإلى هذا التعريف العام الشامل يشير الأستاذ عبد الرحمان النقيب في كتابه 'في التربية وعلم النفس' إلى أن التربية الإسلامية تتأسس على النظرة الإسلامية الشاملة إلى الكون والإنسان والمعرفة والأخلاق والمجتمع.

ونعتقد أنه من المناسب أن نستعرض بعض ما جاء في كتاب الأستاذ محمد عمر التومي النمباني 'الفكر التربوي' أهم مقومات وشروط الفلسفة التربوية الإسلامية الصالحة:

  1. أن تكون عاكسة لآمال المجتمع الإسلامي، ومترجمة لاحتياجاته.
  2. أن تكون متفتحة على جميع التجارب الإنسانية الصالحة، وعلى جميع الأحكام والمبادئ التي تتماشى مع قيم ومبادئ الدين الإسلامي.
  3. أن تتسم بالشمول في نظرتها إلى الكون والحياة والإنسان والمجتمع.
وإذا كانت التربية الإسلامية بهذا المفهوم، فإنه يجب أن تنطلق في هذه التأملات من تطور شمولي وتساؤل عن حقيقة الإنسان في هذه التربية، ودوره في هذا الكون الواسع، وعلاقته بالطبيعة...

حقيقة الإنسان وغاياته 

ترجع حقيقة الإنسان إلى أصلين: الأصل البعيد وهو الخلقة الأولى من طين حيث سواه الله ونفخ فيه من روحه، والأصل القريب وهو خلقه من نطفة، قال تعالى:
الذي أحسن كل شيء خلقهوبدأ خلق الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين.
والإنسان يعتبر أفضل ما في الكون، وأهم عنصر من عناصره، خلقه الله في أحسن تقويم، وصوره في أحسن الصور، فهو يشكل المركز ليدور كل شيء حوله استخلفه الله في الأرض، واستعمره فيها، أي طلب منه أن يعمرها بالحق والعدل والحضارة، قال الله عز وجل:
هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه، إن ربي قريب مجيب. 
وهذا الاستخلاف لا يرجع إلى لون أو شكل... أو غير ذلك من ألوان التمييز العنصري التي يعج بها عصرنا الحاضر، وهو ذو وضعية ذات ثلاث أبعاد: العقل والجسم والروح فلا يمكن إغفال أو إلغاء أي منها، قال الله تعالى:
وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا. 
كما كرم الله الإنسان، وحرم ماله وعرضه...
ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا. 
لذلك فقيمة العلم ليست مطلقة، بمعنى أن هذه القيمة مفيدة بما يحققه للإنسان من منافع والغاية من خلق الإنسان هي عبادة الله، والانصياع لأوامره ونواهيه، قال تعالى:
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. 
والعبادة في الإسلام تتناول كل حياة الإنسان ولا تنحصر في الأركان الخمسة من شهادة وصلاة وزكاة وصوم وحج، فهذه الأركان من الإسلام، وليست كل الإسلام (قل إن صلاتي ونسكي، ومحياي، ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) ويقول العلماء بأن الصلاة تنظيم للحياة اليومية، والصوم تنظيم للشهوات والرغبات، والزكاة تنظيم للعلاقات المالية والاقتصادية، والحج تنظيم للحياة الاجتماعية، ويمكن القول بأن الشهادة تنظيم وتطهير للعقيدة من جميع المعتقدات الفاسدة، إلا أنه ينبغي أن ننبه إلى شيء هام جدا وهو أن أعمال الإنسان التي تندرج في إطار العبادات هي تلك الأعمال الصالحة، والخالصة لله، البعيدة كل البعد عن الرياء والنفاق... فإذا استحضر كل من يمارس مهنة أو ينجز عملا الله تبارك وتعالى، فإنه سيباركه له ويجازيه على ما قدمه من خير.
إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا. 

علاقة الإنسان بالطبيعة 

من أهداف التقدم الغربي الأوروبي محاولة السيطرة على الطبيعة التي كانت إلى عهد قريب مصدر خوف الإنسان وكثيرا ما تصور هذه العلاقة، وكأنها علاقة صراع، وحرب وقهر، فيقال الإنسان قاهر الطبيعة وهازم الطبيعة، ولقد تحقق النصر على الطبيعة... غير أن الواقع المعيش يكذب جميع هذه الادعاءات، ذلك أن أبسط الحشرات، وأدق الجراثيم والفيروسات صغرا، لازالت تفعل فعلها في الإنسان، كما أن بعض الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وأمطار طوفانية قد تهز أعتى الدول وأغناها وأكثرها تقدما، وترجع جذور اختلاق هذا الصراع إلى الفكر اليوناني الوثني الذي وصل به الأمر إلى توهم الصراع بين الإنسان والآلهة لتمتد هذه الفكرة إلى الفلسفة الغربية حيث يتحول إلى صراع فكري مع هيجل، ثم إلى صراع مادي مع كل من انجلس وماركس.
صحيح أن الإنسان استطاع بتقدم العلم وتطوير التكنلوجيا أن يحقق إنجازات هامة. فشيد السدود وبنى العمارات الضخمة، واستنبت الأراضي القاحلة.. إلا أن ذلك كله لا يتجاوز تلك العلاقة التي حددها الله تعالى وهي علاقة التسخير (وهو الذي سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) وهكذا فمن أهداف الفكر العربي المؤسس على المرجعية الإسلامية هو استثمار هذه الطبيعة ليتحقق مفهوم الاستخلاف الذي أشير إليه سابقا.

الإنسان والحياة

تختلف التربية باختلاف نظرة المربين إلى الحياة... ولذلك لابد من توضيح أهمية الحياة ودورها في الإسلام.
جعل الله الحياة في هذا الكون اختبارا وامتحانا وابتلاء للإنسان، وهي محطة من المحطات التي يمر بها إلى أن ينتهي إلى حياة لا موت فيها ليحاسب على ما قدمت يداه ويجازى على قدر أعماله فإما نعيم أبدي وإما عذاب أليم.
وإذا كانت الدنيا ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة وممر إلى الآخرة، فلا يجوز للمسلم أن يغتر بها، وأن ينسى مسؤولية الاستخلاف التي تمت الإشارة إليها، نعم يجوز له أن يستمتع بما سخره له الله في هذه الحياة في حدود الشرع بشرط أن لا يلهيه ذلك في طاعة الله وعبادته. ومن الآثار التربوية المترتبة عن هذه النظرة:
  1. أن لا يغفل المسلم عن هذه الحقيقة فيحاسب نفسه، ويعمل فيها على أنها دار امتحان مؤقت.
  2. أن يصبر على بلواء الحياة ومأساتها لأنه عرف مسبقا أنها دار كدح وابتلاء فلا ييأس، ولا يتدمر حتى ينال الأجر والتواب من عند الله.
  3. أن يعلم علم اليقين بأن الله ينصر المؤمنين ان هم حققوا إيمانهم في سلوكهم واتبعوا كتابه ورسوله، وأخذوا بأسباب القوة والعزة والمتعة كما أمرهم الله
المرجع: مجلة آفاق التربوية بتصرف

التعاليق

أحدث أقدم