تحية طيبة لكل متابعي مدونة محيط المعرفة الثقافية.
موضوع اليوم سنخصصه للحديث عن المعلم أو المدرس ودوره الفعال في تقدم أو تخلف المجتمع.


تنمية المجتمع
تنمية المجتمع



أبدأ موضوعي هذا بالمثل اللاتيني القائل:

إن أول ما يفسد في السمكة هو رأسها.

ورأس المجتمع هو المدرسة، أو بعبارة أدق هو المعلم، فإذا وجد العناية الكاملة والاهتمام الجاد، استطاع أن يكون عنصرا بناء ومساهما في تطوير المجتمع، وإلا فسد المجتمع، وتراجعت قيمه، وتقلص مؤشر نموه الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي ...

ويحق لنا في البداية أن نتساءل:

هل تعتبر الأسس والمعايير وكافة البنيات التربوية والفكرية وغيرها، والأساليب التي يخضع لها المدرس على مستوى تكوينه وتربيته إطارا محركا لفاعليته، وفضاء يستجيب لجل الشروط التي تساهم في إيجاد كافة الأدوات والميكانيزمات التي تتيح له القدرة على تفعيل المدرسة الأساسية، وتحقيق الكفايات التربوية والثقافية والاجتماعية التي تجعله مشاركا أساسيا في تطوير المجتمع وتغيير بنياته، وبالتالي في ضبط التوازن والتكامل بين المدرسة، باعتبارها أداة تنمية وتفعيل، وبين المجتمع باعتباره وعاء وفضاء تتم فيه وتكتمل عناصر التغيير المنشود، وهل ينظر إلى الفعل التربوي في إطاره الحضاري، وفي علاقته الوظيفية والبنيوية بكافة التحولات المجتمعية؟
من هذا المنطلق سوف أركز على مدرس المدرسة الأساسية أي السلك الأول، والوضعية التي تتشكل من خلالها وبواسطتها، بين التكوين المرتبط بالمراكز التربوية من جهة، وبين التكوين المستمر، في علاقتهما بالممارسة الفعلية من جهة أخرى، وما ينتج عن هذه الوضعيات من بنيات مختلفة، غير متجانسة. إذ يتبين أن دور المدرس والمؤطر غير فاعل، وأن مكانتهما معا داخل المجتمع أصبحت ثانوية، مما جعلهما بعيدين كل البعد عن بؤرة الصراع الحضاري، وأن تربية وتكوين الممارس الحقيقي للعملية التعليمية والتربوية، وإن كنا نؤمن - نظريا - بأهميتهما وخطورتهما، فإن هذه المسؤولية الملقاة، أساسا، على كاهل الدولة، ومن له سلطة القرار السياسية والتربوية، لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب. فلماذا تهمل حقوق المدرسين الخاصة والعامة، في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن حقوق الطفل الذي يقوم المدرس بتربيته وتعليمه؟

إن تربية وتكوين المدرس، وتوفير ما يحتاج إليه من إمكانات مادية ومعنوية، ينبغي أن تكون من ضمن الأولويات التي يعتمد عليها أثناء إعداد أي مشروع تنموي، وأثناء وضع الاستراتيجيات التي تهدف إلى تطوير المؤسسة التعليمية، وتثبيت أسسها الفلسفية والحضارية، على اعتبار أن أي مشروع أو أية استراتيجية لا يمكن أن تجزأ، بل ينبغي توسيع نطاقها لتشمل كافة العناصر والأدوات التي تعتبر ضوابط كل تنمية ويجب أن نعلم أن: التربية بجميع مكوناتها هي التنمية، كما تحددها العديد من الاستراتيجيات المتطورة، فمهما قدم المسؤولون والمنظرون السياسيون والاجتماعيون وعلماء التربية، من جهود في إطار إعداد الأسس الفلسفية، وضبط البرامج والخطط، فإن ذلك يعتبر فقط، مشروعا نظريا، إذ لا يزال يحتاج إلى من يبلوره على أرض الواقع، ويبعث فيه الحياة على مستوى الممارسة الفعلية. والعنصر الديناميكي في هذه العملية هو المدرس الممارس الذي يحتاج إلى الاهتمام على جميع المستويات، وإلى استحضاره أثناء إعداد هذه المشاريع، لأن وضعيته الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، وتنمية قدراته ومؤهلاته الفكرية والثقافية والمهنية، عامل أساسي في تطوير المنظومة التربوية. وما يمكن ملاحظته واستخلاصه، خصوصا على مستوى التكوين والتكوين المستمر، أنهما لا يرتبطان بجملة من الأدوات العلمية كالبحوث والدراسات وأساليب التجريب والتقويم، وبالقدرة على رصد الظواهر والقضايا التربوية التي تعيشها المدرسة، من أجل أن تنسجم وتتكيف عناصر التكوين مع مختلف الوضعيات، من أجل ضبط أدوات التغيير، والقدرة على تجاوز الصعوبات والاختلالات، انطلاقا من معطيات كل بيئة تعليمية ومحيطها السوسيوثقافي، بدل القيام بتنفيذ التوجيهات الرسمية تنفيذا حرفيا.

إن مثل هذه القدرات والمؤهلات ينبغي أن تنمى باستمرار، بأسلوب مرن، وبالبحث عن صيغ التكامل والتلاؤم بين ما تقترحه البرامج والمناهج الدراسية (يمكنك الاطلاع على الفرق بين المنهاج والبرنامج الدراسي) باعتبارها خطابا رسميا ثابتا، وبين ما يرتبط بواقع المدرسة ومحيطها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي باعتباره فضاء سريع التحول والتطور، فهل استطاع التكوين بصوره المختلفة أن يحقق ذلك؟

إن ما تهدف إليه برامج التكوين الحالية: مخاطبة الذاكرة، وتقليص الفاعلية الذاتية والجماعية، وأنها تروم إعداد وتكوين مدرسين يقرأون وينفذون المقروء ذا البعد الواحد، ويرتبطون بخطاب لا يثير سوى الانضباط والإذعان، وبالتالي تكوين مدرسين أمناء للخطاب الرسمي، لا حق لهم في التمرد والاستفزاز بمعناهما الإبداعي والإيجابي.

إن النتائج التي تم رصدها، لحد الآن، تؤكد سلبية النظام التربوي وعدم قدرة التعليم الأساسي على تحقيق الفعالية، وتشير أيضا، إلى وجود صعوبات وعراقيل ترتبط بالخلل الحاصل في بنى النظام التعليمي، وإلى جمود العملية التعليمية، وثبات عناصرها الفكرية والتربوية والثقافية والإبداعية.

ويعتبر المدرس أحد أهم عناصر هذا الخلل، بل إن النظرة المتشائمة جدا، ترى أن التعليم الأساسي بجميع مكوناته يعيش أزمة خطيرة، امتد أثرها إلى تأخير حركية المجتمع المدني الذي ننشده ونتوق إليه، مما يصعب معه الخروج من الأزمة، إلا إذا تمت مراجعة قضية التربية والتعليم مراجعة جذرية وشاملة.

إن حصيلة هذه التراكمات الخطيرة تزيد في تعميق الإشكالية وتأزيم قضية من أخطر القضايا، وإن الأنساق التي يعمل في إطارها التعليم الأساسي، وما تحمل من أهداف وأدوات ووسائل لا ترتبط إلا بالجانب الكمي الهادف إلى تلميع الخريطة المدرسية، أو إنتاج أنماط متكررة من العقليات والسلوكات التي لا تساهم في بناء مجتمع مدني بجميع مواصفاته الحضارية.

التعاليق

أحدث أقدم