منذ أزيد من عشرين سنة، قام عدد من الباحثين بمحاولات لمعرفة طرق التفكير الإنساني وكيفية تحسين نتائجه. وأفضت هذه الأبحاث إلى إبراز مادة متعددة الاختصاصات وهي:

علم الإدراك الذي يتكون من:

  1. علم النفس.
  2. الفلسفة.
  3. اللسانيات.
  4. الذكاء المكتسب.
  5. علوم الأعصاب.
وقد مكنت الأبحاث في هذه الميادين المختلفة من فهم أحسن للسيرورة الذهنية المرتبطة بعملية التعلم عند الإنسان. لذا فإن علم النفس الإدراكي يمحور تصوره لعملية التعلم حول معالجة المعلومات سواء كانت إدراكية أم عاطفية أم اجتماعية أم حسية.

التعلم نشاط لمعالجة المعلومات
التعلم نشاط لمعالجة المعلومات


التعليم والتعلم عمليتان تهتمان بمعالجة المعلومات:

هذا يعني عمليا أن الأنشطة التعليمية المقترحة والمنظمة من طرف المدرس تعتبر كيفية لمعالجة المعلومات (العاطفية والإدراكية) وأن هذه العملية التعليمية تتحول إلى أنشطة للتعلم تخول للتلميذ معالجة المعلومات بطريقة هادفة ونافعة وصالحة لأن تستوعبها الذاكرة.

إن علم النفس الإدراكي يحاول معرفة الشروط والميكانيزمات المستعملة من طرف الذاكرة سواء لتخزين أو استعمال المعطيات قصد التوصل إلى توجيه مهارات عند التلاميذ لتحقيق عمليات التعلم كما أن علم النفس يعترف بأن المعرفة تبنى تدريجيا. ويكون للتلميذ فيها دور فعال.

التعليم سيرورة حيوية وبناءة

أمام مواقف معينة، يكون التلميذ قابلا للتفاعل إذ تلتقط حواسه بعض المعلومات التي يقوم بفرزها وتوجيهها للذاكرة. وفي هذه اللحظة يتدخل نظام للفرز يستوجب خلق قواعد وهذه الأخيرة تكون قد استخرجت من مواقف عديدة عاشها التلميذ وتمكنه من قراءة المعلومات المقدمة. وبعد مصادفة مواقف عديدة ومشابهة يتمكن التلميذ إذ ذاك من خلق قاعدة يطبقها على مواقف مشابهة.

ولتوضيح النظرية نستعين بهذا المثال لصيغة الجمع في اللغة الفرنسية، تقول القاعدة:
في صيغة الجمع يجب إضافة حرف << S >> على الأسماء.
ويصبح التلميذ أمام مواقف متشابهة قادرا على استخراج قاعدة تسمح له باستنباط قاعدة عامة تقتضي وضع << S >> عند الجمع.
وكلما برزت له الوضعية ظهر له أن القاعدة التي استنبطها ملائمة وصحيحة، وقام باستعمالها في وضعيات أخرى. وهذا المثال يجسد الدور الحيوي والبناء لتجسيد المعرفة.

على المستوى البيداغوجي، يجدر بنا أن نستخلص درسا مهما:
التنويع الملائم من شأنه إدخال مفهوم الاستثناء. وهذا يمكن التلميذ من التمييز، على نحو واف، بين ما يمكن اعتباره قاعدة عامة وبين الحالات الخاصة. وفي هذا الصدد تظهر أهمية تقديم الأمثلة التي يكون جمعها مخالفا للقاعدة، مثال ذلك: Les choux, Des chevaux.

التعلم هو ربط المعلومات الجديدة بالمعارف القبلية 

بالنسبة لعلم النفس الإدراكي، فإن اكتساب معارف جديدة يعد أمرا مستحيلا إذا لم توضع علاقات بين المعلومات الجديدة والمعارف الموجودة في الذاكرة بالإضافة إلى أن التلميذ لن يغير معارفه المخزونة في ذاكرته بمجرد مصادفته لمعلومات جديدة فلا بد من إجراء عملية ليقع التغيير في ذاكرته.

وفي توضيحه لمدلولي الفهم والتعلم يقول Frank Smith:
إن الفهم يعني وضع علاقة بين تجربة جديدة ومجموع ما نعرفه. والتعلم يستدعي تغييرا أو تحويلا لما هو معروف.
وهذا يعني بالنسبة للمدرس مضاعفة وتنويع عملياته التربوية.

التعلم يتطلب التنظيم المستمر للمعارف 

أثبتت أبحاث عديدة أن ما يميز المبتدئين عن المتخصصين هو تنظيم المعارف وترتيبها بإحكام في الذاكرة. ويتعلق هذا التنظيم أساسا بخلق علاقات بين مختلف المعارف (الإعلانية أو الإجرائية أو الشرطية) كما أنه يفضل استعمالا وظيفيا للمعارف ولا يحد من نشاط ذاكرة العمل. فتنمية الترسيمات تسمح بتحديد في استعمال الذاكرة، حيث أن المعارف الجديدة تزرع في جداول منظمة مسبقا ويسهل تذكرها.
ويشير Smith في هذا الصدد إلى أن ما يميز المتعلم الجيد عن غيره هو درجة دمج المعارف وتيسيرها.

التعلم يهم الاستراتيجية الإدراكية بقدر ما يهم المعارف النظرية

إن التعلم هو اقتناء لمعلومات منظمة كما أنه تطوير لمجموعة من الاستراتيجيات التي تسهل تطبيق فعالية الأنشطة والمهام المتوخاة. وهذه الاستراتيجيات على نوعين:
  1. استراتيجيات إدراكية تسمح بإنجاز مهمة معينة ونستعين بمثال في الرياضيات يتعلق بعمليات الجمع والطرح والضرب والقسمة في إطار حل مسألة حسابية.
  2. وتعتمد استراتيجيات (métacognitives) على تدبير عدة استراتيجيات إدراكية تمكنها من الحصول على أكثر مردودية بالنسبة للمهام المراد تحقيقها، وكمثال على ذلك نستحضر تقديم عرض مسرحي للآباء وتلاميذ المدرسة. فالتخطيط والتنظيم وتقديم هذا العمل يتطلب استعمال عدد من الاستراتيجيات الإدراكية الخاصة بكل مجال وكل مشكل. أما الاستراتيجيات فهي التي تمكن من التنسيق بين كل العمليات الإدراكية المعتمد عليها لإنجاز هذا المشروع.

التعلم يهم بنفس القدر المعارف الإعلانية والإجرائية وكذا الشرطية

في مجال علم النفس الإدراكي تؤخذ ثلاثة أنواع من المعارف بعين الاعتبار، يشير إليها كل من Fortin Rousseau, Gagné, Tardif وغيرهم. وهذه المعارف تظهر في ميادين عدة، منها:
الإدراكية والعاطفية والاجتماعية والحسية والحركية. وهذه المعارف تتطلب استراتيجيات تعليمية مختلفة.

وتستند المعارف الإعلانية إلى معارف نظرية متصلة بمعارف أخرى مثل تعريف الأسماء وقواعد التطابق اللغوي وجدول الضرب. وهي معرفة ثابتة حيث أنها لا تتطلب تغييرا من تلقاء نفسها. ولذا يجب أن تترجم إلى إجراءات وشروط. 
وكمثال للمعارف الإعلانية:
نقدم نظرية هندسية، le CQFD (ما يجب البرهنة عليه) غير أن الاكتفاء بتقديم هذه النظرية دون تحويلها إلى إجراءات وشروط، يجعل منها نظرية جامدة وبالتالي لا توحي بشيء ملموس في الواقع.

إن المعلومات الإجرائية ترتبط بوجه خاص في علوم التربية بالمهارة بحيث تسعى إلى خلق انسجام بين المراحل والطرق وكيفية إنجاز عمل ما. وبخلاف المعارف الإعلانية التي تعتبر جامدة فإن المعارف الإجرائية تكتسب أثناء القيام بعمليات ملموسة مثل تلخيص نص أو وضع منهجية للعمل أو تحرير نص إعلامي أو حل مسألة رياضية.

وتعتبر المعلومات الشرطية دعما لا يستهان به بالنسبة لعلم النفس الإدراكي ويعرفها بعض الكتاب بالمعلومات الاستراتيجية، وهي تهم بالـ متى و الـ كيف. ففي أية وضعية يكون ضروريا استعمال هذه الاستراتيجية؟ ولماذا نلجأ إلى استعمالها؟ 
إن المعارف الإجرائية تدلي بمواقف حركية بينما المعارف الشرطية تنطبق على الترتيب والتصنيف. كما أنها تمكن الفرد من اختبار الإجراء الناجع لحل إشكالياته. وهذه بعض الأمثلة للمعارف الشرطية:
  1. استخراج الفكرة الرئيسية للنص وأفكاره الثانوية.
  2. اختيار المستوى اللغوي حسب المخاطب.
  3. معرفة اسم المفعول في جملة ما.
وتعد هذه المعارف خلاقة للخبرة الفردية وضامنة لاستمرارية التعلم.



التعاليق

أحدث أقدم