لقد أصبح العصر الحالي ,عصر تعدد الاختيارات فأي منتوج تريد استهلاكه تجد أمامك المآت بل وحتى الآلاف من الاختيارات لنفس المنتوج ,فدائما هناك بدائل للخدمات والبضائع .
لماذا كان أسلافنا أكثر سعادة ؟

إن كثرة البدائل من الأسباب الأساسية للألم النفسي ,لأنها تدفعنا للقلق من أجل الفرص التي قد تضيع ,والندم على القرارات التي لم تتخذ .فهذا البؤس الذي لم يكن يعاني منه أسلافنا ,قد تحول إلى شبه وباء في ظل زيادة الثروات والتنافسية الشديدة للشركات وزيادة الاختيارات .

والسؤال الذي يطرح نفسه هل نحن فعلا نريد المزيد من الأشياء والمزيد من البدائل ؟فلنأخذ مثالا عند بداية انتشار الوسائل السمعية كالراديو الكل كان يتلذذ بسماع الأغاني ويطرب لها ,وكذلك ينصت للأخبار باهتمام ,أما اليوم بدى أن كل شيء قد فقد قيمته وأصبحنا نقفز من قناة فضائية إلى أخرى دون اهتمام أو تفكير .

وربما كان السبب في أن كثرة البدائل لا تزيد السعادة لأن الاختيارات يزيد معها مستوى المسؤولية .وفي هذا السياق توضح البحوث أننا نشعر بدرجة أكبر من السعادة عندما نعرف أن قراراتنا لا رجوع فيها .في الماضي كان الناس يعملون في وظائف متواضعة مثل باقي جيرانهم ,فيرضون ويسعدون بقدرهم ,أما اليوم مع الانفجار المعلوماتي عبر الأنترنيت والفضائيات ,فإننا نجد أعدادا هائلة من الناس لنقارن أنفسنا بهم .

وحتى إن كنا من الأغنياء فسنجد دائما من هم أكثر ثراء منا خصوصا ونحن نعيش في هذه القرية الكونية فنسأل أنفسنا لماذا نحن لسنا مشهورين ك "ميسي " ولماذا لسنا أغنياء ك "بيل غيتس "وهذا ما يسمى ب "المقارنة الصاعدة " وهذا النوع من المقارنة يدفعنا إلى الحسد والعدوانية والتقليل من مستوى تقديرنا لذواتنا .وفي المقابل نجد "المقارنة الهابطة "التي تجعلنا نقارن وضعياتنا بمن هم أقل منا مما يجعلنا نزيد من تقديرنا الذاتي وتشعرنا بالامتنان والسعادة على النعم التي حبانا الله بها .

ومن هنا نستنتج أن المزيد من الخيارات يصحبه مزيد من القلق والمسؤولية والمقارنة ,لذلك فإن وصفة السعادة بسيطة وثنائية القطب .اتخاذ قرارات لا يمكن الرجوع فيها زيادة على التقدير الدائم للحياة التي  نعيشها.



                                    باري شوارتز كتاب "تناقض الاختيار"

التعاليق

أحدث أقدم