السر الكامن  وراء عبقرية غاندي

السلام عليكم ورحمة الله
لقد قرأت العديد من سيرالعظماء والملوك على غرار شرلمان وأيضا جنكيز خان وكذبك نبوخذ نصر لكن لم تؤثر في نفسي شخصية بالقدر الذي أثر في المهاتما غاندي والسبب ببساطة أن جميع هؤلاء العظماء استعملوا قوة الحديد والنار لبسط نفودهم وسلطتهم في حين استطاع غاندي أن يغزو قلوب أعدائه بعقلية وحكمة منقطعة النظير.
السر الكامن  وراء عبقرية غاندي
السر الكامن  وراء عبقرية غاندي


لقد تمرن غاندي جيدا على التفكير بعقلية النظام التخاصمي بحكم تعلمه في لندن حتى يصبح محاميا والتحق للعمل بمكتب محاماة في جنوب إفريقيا، حينها اكتشف أنه يتعرض باستمرار للاساءة كمحام يعمل وسط بيئة يسيطر عليها البيض، أخرج من قطار لتجرئه على الجلوس في عربة درجة أولى رغم أنه كان يحمل تذاكر درجة أولى، بسبب لون بشرته، وكان شعوره بالمهانة عظيما حتى أنه قضى الليلة بطولها على رصيف المحطة متسائلا عما يستطيع فعله لتحقيق العدالة، كان الغضب أول استجابة سيطرت عليه بعد هذه الحادثة فقد غضب جدا ورغب في القصاص بالمثل لتحقيق العدالة، وكان يريد أن يرد بعنف على من أهانوه، لكنه تحكم في نفسه وقال "هذا ليس صوابا؟" لم يكن هذا سيحقق له العدالة، ربما الشعور بالحاجة للانتقام يمكن أن يشعره بالرضا لبرهة، ولكنه لم يكن ليحقق له العدالة، بل سيوسع من دائرة الصراع ومنذ تلك اللحظة بدأ يطور فلسفة اللاعنف ويمارسها في حياته، واصل سعيه لتحقيق العدالة في جنوب إفريقيا فقضى في تلك الدولة 22 عاما ثم عاد إلى الهند ليقود حركته بالمبدأ نفسه. إنني اعتبر غاندي من بين أبطالي بالطبع لم يكن إنسانا كاملا كما يظن البعض، ومع ذلك فقد فقد تسامى على التفكير بأسلوب البديلين فلم يكن يريد الهروب، وكذلك لم يكن يريد القتال، فهذا الأسلوب هو ما تفعله الحيوانات عندما تحاصر، فإما أن تقاتل أو تهرب. لقد غير غاندي حياة 300 إنسان واليوم يسكن الهند أكثر من مليار إنسان. وتعلمنا الفلسفة الهندية أننا لا نصل أبدا لحالة التنور في ظل الغضب أو سوء النية.

لم يكن غاندي الضحية الوحيدة، حيث كانت مقاطعة ترانسفال في جنوب إفريقيا موطنا للكثير من المضطهدين، لم يكن أقل غضبا منهم من سوء المعاملة لذلك كان يدرك جيدا أن العنف سيقابل بعنف، وفي نفس الوقت لم يكن يستطيع أن يعيش متعرضا للطغيان لذلك استطاع أن يجد إجابته في دمج مبدأين متعارضين وهما العدالة وفلسفة"أهيما" الشهيرة في الثقافة الهندية والتي تقضي بعدم إلحاق الأذى بأي كائن حي.

وقد اقترح غاندي أثناء خطبة ألقاها على حشد من الجماهير البديل الثالث الذي توصل إليه وهو المقاومة غير العنيفة وفي هذا البديل لم يتخل غاندي عن حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية بالإذعان للقانون غير العادل، حيث كان يرى أن هذا سيمثل خرقا للمبدأ. 
ومع ذلك، فلم يوص أيضا باستخدام القوة للمقاومة، وكان يحث الآخرين على أن يقبلوا إلقاء القبض عليهم دون أن يتصرفوا بعنف.

لقد واجه الهنود العنف بعدم العنف، وأدخل أكثر من عشرة آلاف من الهنود والسود السجون بدون عنف وبدون أن يتخلوا عن حقوقهم. وقد جذب هذا العدد الكبير من المحتجين بهدوء انتباه العالم الذي أذهله هذا السلوك، وفي النهاية أعتقل غاندي وزج به في السجن حيث قضى فترة سجنه في صناعة خفين ليهديهما إلى "جان كريستيان سماطس"رئيس إقليم ترانسفال وقد أوضح هذا السلوك مدى تفرد عبقرية غاندي حيث لم يقاوم الظلم فحسب، بل حاول أن يجعل من غريمه صديقا، ورغم أن "سماطس" قد اعتقله 3 مرات فيما بعد لم ييأس غاندي قط من تغيير مشاعره، وهو ما نجح فيه في النهاية، حيث ثم تغيير "قانون السود". وبعد ذلك بأعوام حضر "سماطس" عيد ميلاد غاندي وقال في تلك المناسبة "أنا لست أهلا لمثل هذا الرجل العظيم".

وعندما عاد غاندي إلى وطنه الهند, ناضل لتحرير الهند من الحكم البريطاني، وكان يشعر بأن هذا التحرير سيكون جيدا للانجليز بقدر جودته للهنود، حيث قال "إذا انسحب البريطانيون، فسيتحررون من عبء هائل، وذلك إذا أمعنوا التفكير بهدوء في معنى استعباد أمة كاملة" وكان مصرا على التعامل مع الانجليز كأصدقاء محبوبين رغم سوء المعاملة الذي لاقاها منهم، وكان ينصح الآخرين بفعل الشيء نفسه. 
وكان يقول لبني وطنه " إخواني، لقد قطعنا طريقا طويلا مع البريطانيين وعندما يغادرون الهند، فنحن نريدهم أن يغادروا كأصدقاء لنا. إننا إذا أردنا فعلا تغيير الأمور فهناك وسائل أفضل من مهاجمة القطارات أوقتلهم بالسيوف، أنا أريد تغيير تفكير الإنجليز لا قتلهم".

إن الحركة الهائلة للمقاومة غير العنيفة التي أدت إلى استقلال الهند شيء أسطوري، والشيء الأبرز هنا هو أن غاندي لم يشغل مطلقا أي منصب أو يحمل سلطة رسمية من أي نوع بعد استقلال الهند. لقد تلقى تعليمه ليصبح محاميا ولكنه اختار أن يلعب دور صانع السلام. وعندما خرج البريطانيون من الهند عام 1947 فقد خرجوا في حالة من السلام والصداقة مع الهنود. 

ويكمن سر عبقرية غاندي في إيمانه المطلق بأن عظمتنا كبشر لا تكمن في قدرتنا على إعادة تشكيل العالم بقدر ما تكمن في قدرتنا على إعادة تشكيل أنفسنا.

المراجع المعتمدة:
كتاب الزعيم غاندي
كتاب أسرار حياة غاندي
كتاب رحلتي مع غاندي

التعاليق

أحدث أقدم